أ.د صالح حسين الرقب
إنَّ الحديثَ عن موقف أبي الأعلى المودودي رحمه الله من التَّصَوف، سيتضمَّنُ النقاطَ الثلاث التالية: علاقة التَّصَوف بأعمالِ الإنسان كما يراها هو نفسه. وأقسامُ التَّصَوف عند المودودي وموقفه من كل قسم. وأخيراً: آراء المعارضين لموقف المودودي من التَّصَوف ومناقشتها.
علاقة التَّصَوف بالعمل:
يرى المودودي أنَّ مهمَّةَ التَّصَوف إصلاحُ قلب الإنسان، كما أن الفقه يصلح جوارحه، وكما يسمُّون ما يصلح الجوارح فقها ظاهريًا، يسمُّونَ ما يٌصلحَ الباطن فقهًا بالمنيا أو فقه الباطن. ويوضح المودودي الأمر بمثال الصلاة، فإنَّ التَّصَوف يهتم بما يكون عليه القلب من تجرد وخضوع تامين لله تعالى، وبعد عن الدنيا وهمومها، وانشغال بالطاعة وشعور بالخشية، كما يهتم بأثر الصلاة في تزكية نفس المصلی وتهذیب أخلاقه، جاء في القران الكريم: (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت:45. وأمَّا علاقة الفقه بالصَّلاةِ فهو ينظرُ في أداء المرءِ لأركانها، وقيامه بواجباتها، والتزامه بشروط صحتها، أي أنَّ الفقه ينظر إلى العملِ من حيث مطابقته للأحكام الشرعية أو عدمها.([1])
يقسِّمُ المودودي التَّصَوف إلى أقسامٍ ثلاثةٍ، وهي:-
وهو التَّصَوف الذي اختلط بفلسفات الإشراقية والزدشتية، والذي يشتمل على رهبانيَّةِ النصارى، ودردشة الهنادكة، وهو التَّصَوفُ الذي دخله كثيرٌ من الأعمال الشركية والمفاسد التي انتقلت إلى المسلمين نتيجة تأثرهم بالفلسفة اليونانية والرومانية والفارسية، ومن مجموع هذه العقائد الجاهلية تكوَّن ما أُطلق عليه اسم "التَّصَوف"، مع أنَّ هذه العقائدَ والأعمالَ الجاهليَّةَ ليس لها أدنی صلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية. وقد فصلَ اتباعُ هذا التَّصَوفِ الشَّريعةِ عن المعرفة، بل إنَّ الشريعة في نظرهم شيء، والمعرفة شيء آخر، وهما يتعارضان. ونتيجةً لذلك أخذَ أتباعُ هذا التَّصوفِ في التحلل من مبادئ الإسلام وتعاليمه، ونفَوْا أنْ تكونَ الشريعة لها سلطانٌ على التَّصَوف الذي سلكوه، ومن ثمَّ شاعت بينهم الخرافاتُ والأكاذيبُ، واستولَت عليهم الفلسفاتُ الجاهليَّةُ الضَّالةُ المُضلَّةُ.([2])
بالإضافة إلى ذلك ابتعد كثيرٌ من متصوفةِ هذا القسم عن ممارسةِ الدَّعوةِ والوعظ والإرشاد، وانقطعوا لاستقبال الهباتِ والنُّذور التي يقدمُها لهم جهلة المسلمين، ظنًا منهم أنَّ لهؤلاء المشايخ تأثيرًا ونفوذًا في حياتهم.([3])
أقول: إنَّ من أتباع هذا التَّصَوف الجاهلي الباطلِ أصحابُ النَزعاتِ المنحلة القائلين بالكشف الباطني والفيض الإلهي،([4]) وبوحدة الوجود،([5]) واتحاد الخالق مع المخلوق وحلوله في العالم،([6]) ومن رواده این منصور الحلاج([7]) الذي قتل بفتوى من الفقهاء وابن الفارض([8]) وابن عربی([9]) وابن سبعين([10]) وغيرهم ممَّن أخذَ بأقوالِهم وسارَ على منوالهم.
وهذا النَّوعُ من التَّصوف قوبلَ بمعارضةٍ شديدةٍ من كبار أئمة العلماء، كالغزالي في كتابه المنقذ من الضَّلال، وابن تيمية في فتاويه ورسائله، وابن القيم([11]) في كتابه مدارج السالكين، وابن الجوزی([12]) فی کتابه تلبيس إبليس.
موقف المودودي من التصوف الباطل:
يری المودودي ضرورةَ القضاءِ على مثل هذا التصوف، ويعتبره من العقبات التي تقف حجرَ عثرةِ في طريق المدِّ الإسلامي، وإقامة دين الله في الأرض، وهو يشبه في هذا الأمر الجاهليَّةَ الحديثة التي يجب إزالتها والقضاء عليها. يقول المودودي: "ذلك التَّصَوف (أي الباطل) الذي لا يَعدُّ الإنسانَ للقيام بواجباته التي تؤهله ليكونَ خليفةَ الله في أرضه، بل هو تصوفٌ يَعدُّ الانسانَ للقيامِ بأحكامٍ وواجباتٍ أخرى مغايرة، هذا التَّصَوف لا أعارضُه فحَسَب، بل أَرَی ضرورةَ القضاءِ عليه لإقامةِ دين الله، فشأنُه في هذا شأنُ الجاهليَّةَ الحديثة التي يجبُ أنْ نمحوَها أيضًا".([13])
هو التصوف الذي لا يختلف في جوهره عن منزلة الإحسان في شيء،([14]) حيث يهتم بباطن الإنسان وكيفية إصلاحه، ومبلغه من العلم والعقل، وعن طریقه يعرف المسلم مقدار إخلاصه لله وخشيته منه، واليقين بأنَّ الله تعالى يراقبه في السِّرِ والعلن، وعند ذلك يتوجه المسلم بعبادته لله تعالى وكأنَّه يراه.
وهذا التَّصَوفُ مرتبطٌ بالشريعة الإسلامية غيرُ منفصلٍ عنها بحال من الأحوال، فهو يعني التمسك بآدابها والالتزام بأحكامها مع صفاء النية وطهارة القلب.([15]) والتَّصَوف بهذا المعنى يستمدُّ أصولَه ومبادءَه من القرآن الكريم والسُّنة النَّبوية المطهرة، وقد نشأ هذا التَّصَوف في الصَّدرِ الأول من الإسلام بعد انتهاء عصر الخلفا الراشدين، حيث بدأت تظهرُ علامات التَّدهور في الأخلاق عند المسلمين، ووجدت جماعةُ سُمِّيت بالصوفية الذين أقاموا زواياهم من أجل انتشال النَّاسِ من البيئة الفاسدة، ويرى المودودي أنَّ هذه الزوايا كانت شبيهة بالهيئة النَّظيفة التي أعدَّها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لتربية وإعدادِ أصحابه الكرام رضي الله عنه.([16]) ولم تكن لدى أصحابِ هذا النَّوعِ من التَّصوف فلسفةٌ معينَّةٌ، كما لم تكن لهم طريقةً معينةً، بل كانت أفكارهم وأعمالهم وفق النصوص الشرعية، وكان هدفه الإخلاص لله تعالى في الطاعة والعبودية. ويمثِّلُ هذا النَّوعَ التَّصوف الإسلامي الخالص: فضیل بن عیاض([17])، وابراهيم بن أدهم،([18]) ومعروف الكرخي([19])، وغيرهم ممن سلك طريقتهم والتزم نهجهم.([20])
أقول: إنَّ التَّصَوفَ الإسلاميَّ الذي ذكره المودودي هو الإسلامُ بعينه، ومن هنا فلا يجوزُ أنْ نُطلقَ لفظَ التَّصَوف على إقامةِ الشعائر التَّعبديَّة، والزهدِ في الدنيا، والانقطاعِ للعبادة، لأنَّ هذا الاصطلاحَ غريبٌ عن جيلِ المسلمين الأوائل من الصحابة والتابعين، الذين هم أشرفُ النَّاسِ عبادةَ، وأكثرُهم طاعةَ لله تعالى، ولم يستطع أحدٌ أن يُطلِقَ عليهم لفظ المتصوفة مع كونهم أشد الناس تمسكًا بالكتاب والسُنًّةِ. يقول ابن تيمية: "إنَّ لفظَ الصُّوفيَّةِ لم يكنْ مشهورًا في القرون الثلاثة الأولى، وإنَّما اشتهر التَّكلُم به بعد ذلك.([21])
موقف المودودی منه: يرى ضرورة العمل على إحياء هذا التَّصَوف، يقول عنه: "هذا التَّصَوف، لا أوافقه فقط بل أتمنى وأحبُّ أنْ يَحيَ مرةً ثانيةً، وينتشر.([22])
وهو الذي يكونُ خليطًا من التَّصوفَ الجاهلي والتصوف الإسلامي، ورجالُ هذا التَّصَوفِ أهلُ علمٍ وأصحابُ نوايا حسنة، ولكنَّهم لم يسلموا من التأثيرات الفكرية التي كانت سائدةً في عصرهم، حيثُ علِقَت في نظرياتهم بعضُ أدرانِ ومفاسدِ التَّصَوف الجاهلي، وقد بذلَ هولاء جهودَهم لتنقيَةِ طرقِهم ممَّا علِقَ بها من المفاسد، كما حاولوا فهمَ التَّصَوف الإسلامي والعمل به، ولكنَّ مجهوداتِهم لم تحقق أغراضَهم، وحيثُ ما زالت في أفكارهم وأعمالهم بعض الأشياء التي تخالفُ القرآنَ الكريمَ والسُّنَّةَ المطهرَّةَ، ولذلك قاموا بتأويلها ليوهموا النَّاسَ بأنَّها لا تعارضُ النُّصوصَ الشرعيَّةَ، وليسلَموا من الطُّعونِ والانتقاداتِ الموجَّهةِ إليهم.
ولقد أدَّى هذا التَّصَوفُ المشبوهُ إلى نتائجَ غيرِ مرضيَّة، حيث خرَّج أُناسًا لا يفهمون الإسلام فهمًا صحيحًا، وليست لديهم القدرةُ بل وليس في تفكيرهم العمل وبذلِ الجهد لإقامةِ دينِ الله تعالى في الأرض.
موقف المودودی منه:
يقول المودودي عن هذا التَّصَوف: "لا أوافقُ عليه تمامًا، ولا أعارضُه تمامُا، بل إنَّنَي أقولُ لمن يحمل مشعلَه: عليكم أنْ تُفرِّقوا بين احترامك للشخصيات الكبيرة من تحليلِ هذا التَّصَوف ونقده في ضوء القرآن والسُّنَّة، وعليكم أنْ تحاولوا تصحيحَ مساره ومداره. وإذا كان هناك بعضُ نقاط الاختلاف بینكم وبين أحدٍ، فعليكم مناقشة هذا الاختلاف في ضوء الكتاب والسنة، والا تنكروا على أحد حقه في مخالفة هذا النوع من التصوف او نقده، والا تجعلوا هذا الرجل هدفا للقدح واللوم.([23])
وممَّا ينكره المودودي على هذا النَّوعِ من التَّصَوفِ الأمور التالية:
1- الاشتغال بالأذكار والأوراد دون غيرها: ينكر المودودي على أصحاب التَّصَوفَ المشبوهَ انشغالهم بالأورادٍ والاذکار والرياضات الصوفية الخاصة بهم، وتهاونهم في العمل على إزالة الفساد المنتشر في البلاد، بسببِ تسلُّط الحاکمین بغير ما أنزل الله تعالى. وهمْ في نظرهِ بعيدون عن مرتبة الإحسان التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: "الإحسانُ أنْ تعبدَ الله كأنَّك ترَاهُ، فإنْ لمْ تكنْ ترَاهُ فإنَّه يَرَاكَ"([24])، لأنَّ الأحسانَ يتطلَّبُ عدمَ الاستسلام لحاكميَّةِ غيرِ الله تعالى، وبذلَ الأرواح والأموال في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى.([25]) ويضيفُ المودودي قائلاً: إنَّ هؤلاء المتصوفة لن يخدعوا الله بمظاهرهم، من تربية اللحى، وعمليات السبحات والأوراد والوظائف والتطوعات، ولن يمدَّهم من أوليائه ما داموا لم يبذلوا ما استطاعوا من جهودٍ في سبيل القضاء على حكم الجاهلية وإقامةِ دين الله في الأرض.
وعندما يرى المودودي ذلك فهو لا يقصدُ التَّهوينَ من شأنَ ما نصَّت عليه الآياتُ القرآنيَّةُ والأحاديثُ النبويَّةُ من وجوبِ تعظيمِ الله تعالى وتقديسِ صفاته العليا وأسمائه الحسنى، ومحبَّةِ رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم، أو ذكرِ الأشعار والمدائح في ذلك، كما لا يقصدُ التَّقليلَ من شأنِ الآداب والتعاليم الإسلامية التي تتعلق بوجوب تمييز المسلم عن غيره من الكافرين في مظهره وملبسه، ولكنَّه يرى أنَّ الاقتصارَ على هذا الجانبِ فقط وتركِ ما عدَاهُ لا يكفي المرءَ لِيصلَ إلى مرتبةِ الإحسانِ التي أَرادَها الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكذلك لنَ تصلَ بهِ إلى مكانةِ الأولياء الذين شملَهُم الله تعالی بمحبَّتِه ورضاه. والمودودي نفسُه يؤكِّدُ علی وجوبِ تلاوةِ الأورادِ والأذكارِ والأدعيةِ المأثورةِ إذا ما أرادَ الإنسانُ المسلمُ أن يُزكِّيَ نفسَه بشرطِ أنْ لا يقتصرَ عليها دونَ غيرها.
2– التَّربيةُ والتَّزكيةُ: إنَّ مبادىء التَّزكية لدى الصُّوفيَّة تختلفُ عن التزكيَّةِ التي جاء ذكرها في القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة الشَّريفةُ، والصُّوفيون أنفسُهم لا ينكرون أنَّهم ابتدعوا أشياءَ في هذا الجانب ما أنزل الله تعالى بها سلطان. وإذا كان الأمرُ كذلك فإنَّ غايةَ التَّزكية عند الصُّوفيةِ تختلفُ عن الغاية النبيلة التي قصدها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من تربية أصحابه، وهي إقامة النظام الإسلامي في الحياة. يقول المودودي: "التَّزكيةُ التي جاءت في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة هي وحدُها التي تساعدنا في سبيل إقامة الدِّين كمنهاجٍ في الحياة، أما التَّزكيةُ الصُّوفية فلن تحقق لنا هذه المساعدة.([26])
ولكي يستطيع المسلم أنْ يربي نفسه ويهذب اخلاقه لابد أن من الرجوع إلى القران الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، فيشبه كل فضيلة يحبها الله ورسوله، ويغضي كل رذيلة بغضها الله ورسوله، ويتَّبعُ وسائلَ التَّربيةِ والتَّهذيبِ التي جاءت بها النُّصوصُ الشرعيَّةُ، ويبتعدُ من الطرق الصوفية التي راجت في أيامنا منه.
ويذكر لنا المودودي بعضًا من الوسائل التي يمكنُ للمسلمِ أنْ يستعينَ بها لتقويَةِ علاقتِه بربِّه تبارك وتعالى. وهذه الوسائل هي:
أ- صلاة النوافل: وخاصة التهجد والنَّاسُ نيامٌ، حيثُ الصفاءُ والشعورُ بالإخلاصِ والتَّجردِ، فالصلاة في الليل يحفظُ الإنسانَ من الأمراضِ النَّفسية، وخاصةً الكِبْرُ والرياءُ، وتكسبُه الشعورُ بالطمأنينةِ والسُّكونِ.
ب- ذكر الله: وذلك بالمحافظة على تلاوة القرآن الكريم والأذكار والأدعية والأوراد المأثورة عن الرسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابتِه الكرامِ. ولا يكتفي بذكرها باللسان، بل لابدَّ من مراعاة آدابها من الخشوع والتَّأَدُبِ، وحفظها واستحضار معانيها ومحاولة التَّأثرِ بها، وملاحظةَ مقاصدِها وأغراضِها.
ج- الصوم: أي صوم التَّطوع، وأحسنُ التَّطوع ثلاثة أيام من كل شهرِ، ولا يعني الامتناع عن الطعام والشراب وغيرهما من المُفطراتِ فقط، وإنَّما يعني إلی جانب ذلك الامتناع عمَّا حرمَّه الله تعالى، فالامتناعُ عنِ الطَّعامِ والشَّرابِ ليست وسيلةً لتعويدِ المرءِ الامتناعَ عن كلِّ ما حرَّم الله عزَّوجلَّ، فهذا جوهرُ الصَّومِ وحقيقتُه. وهذا يُربِّي في النَّفسِ ملكةَ الشُّعورِ بتقوى الله العظيمِ وطاعتِه.
د- الانفاق فی سبیل الله تعالى: وليس العبرة بالمقدار الذي ينفقه المرء من أمواله، إنَّما العبرةُ بالرُّوح والعاطفة التي ينفقُ بها ابتغاءً لمرضاة الله تعالی، والصَّدقةُ هي من الوسائل التي قرَّرها الله ورسوله لتزكية النَّفسِ المسلمةَ.([27]) وعن الغايةِ المرجوَّةِ في اتباع هذه الوسائل يقول المودودي: "هذا هو المنهاج البسيط الذي قرَّره القرآن، وأَرشدنا إليه الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا عملتم به تتَّصلون بالله وتتقربون إليه مع معيشتكم بين أهليكم، ومن مزاولتكم جملة شئون حياتكم الاجتماعية بدون أن تشعروا بحاجة إلى رياضةٍ من رياضاتِ الصُّوفية أو مراقبةٍ من مراقباتهم..([28])".([29])
ه- البيعة: يرى المودودي أنَّ البيعةَ([30]) التي وردت بشأن جوازها النُّصوص الشرعيَّة تنقسمُ إلى ثلاثةِ أَقسامٍ، وليست البيعةُ التي عُرِفت بينَ المُتَصوفَّةِ واحدةً منها، وأقسامُ البَيعةِ المَشروعةَ عند المودودي هي:-
أ- بيعةُ من أجلِ مسألةٍ خاصةٍ في مناسبةٍ خاصةٍ، كَبيعَةِ الرُّضوان التي بايع فيها الصحابةُ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم على التَّضحيةِ بالأموال والأنفس في سبيل جهاد الكفار وأعطاء كلمة الله تعالى، وأمَّا مناسبتُها فإنَّه لمَّا أَرسلَ رسولُ الله صلَّی الله عليه وسلَّمَ في عام صلح الحديبية عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة فأبطا في العودة، فظنَّ المسلمون أنَّه قد قُتِلَ، فجاء الصحابةُ رضي الله عنهم رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يجلس تحت الشجرة، فأخذ منهم البيعةَ على مجاهدة كفِّار مكة، وألاَّ يفروا، ولا يولُّوهم الأدبار، وفي هذا الأمرِ نزلَ قولُه تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) الفتح:18.([31])
ب- بيعةٌ يعقدها شخصٌ أو جماعةٌ على يدٍ رجلٍ مُعروفٍ بالتقوى والصلاح، وينوي فيها المبايِعُ تزكيةَ الَّنفس وتهذيب الأخلاق، والتَّقيدِ بأحكام الدين علی ید المُبَايَع. ومثلُها بيعةُ العقبة الأولى والثانية، حيث بایعَ جماعةٌ من الأوس والخزجٍ النَّبيَّ صلَى الله عليه وسلَّم -بعد إیمانهم برسالته- على السمع والطاعةِ والتعفف عن المحرمات، كالسرقة والزنا وغيرهما، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.([32]) يقول المودودی: "وحق عقد هذه البيعة هو النبي أو للشخص الذي يتبع طريقة النبي، أي له معرفة صحيحة بالطريقة النبوية، وأن يكون عاملا بها، وألاَّ يكون له أيُّ نيةٍ أخرى من أخذ البيعةِ إلاَّ الإصلاحَ والارشادَ".([33])
ج- البيعة التي تتم علی يد أمير الجماعة المسلمة وقائدها، وهي سنة متبعة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنه، والوفاء بها واجب، ومخالفتها معصية وخروج عن الجماعة المسلمة، ويهقي ما يترتب عليها من السمع والطاعة في المنشط والمكره واجب في عنق المسلم ما دام الأمير مطيعًا الله ورسوله.([34]) وهذه البيعة هي المقصودة من قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.([35])
بعد أن يذكر المودودی اقسام البيعة المشروعة يقول: "وأما البيعة الموجودة لدى الصوفية فهي من نوع آخر . وهي ليست بشی ضروری، فاذا قام شخص ما بالحصول على علوم الدين وفهم أحكامه وحاول الحمل طبقا لها، ولم يعلق في رقبته بيعة أحد من المربين الروحانيين فإنَّه بهذا لا يرتكب ذنها ولن يعاقب في الآخرة على أنه لم يمسك بيد شيخ.([36]) أي أنَّ البيعةَ على يدِ المشايخ الصوفيين مخالفةٌ لما جاءت به النُّصوص الشَّرعيةُ، اذ أنَّ أكثرَ المبايعينِ من جهلةِ المسلمين الذين لا يفقهون دينَهم فضلاً عن الالتزام والتقيد بأحكامه. ومع ذلك يرى المودودی جواز مبايعة الرجل المارف بتعاليم دينه لرجل صالح پسير علی نهج النبي صلى الله عليه وسلم. ويشترط في البايع أن لا يتعصب لشيهانه، فيقلده في الصواب والخطا، بل بطبيعه في الحق ولا يتهمه في الباطل.([37])
وبدلاً من نظامِ البيعةِ الموجود عند الصوفية يقترح المودودی نظامًا آخرَ للبيعة، وهذا الاقتراح يشملُ النِّقاطَ الثلاثَ التالية:
1- أن لا تكون البيعة باليد، إنَّما تؤخذُ باللسان أولاً، كما كان يبایعُ النَّبيُ صلَّى الله عليه وسلَّم النساءَ حيث كان يبایعهن باللسان دون اليد.
2- أن لا تنسبُ البيعة إلى شخصٍ معينٍ، سواءٌ كان أميرَ الجماعة الإسلامية أم غیره. ولكن تنسب إلى الإسلام، حتى لا يتسرَّبُ إلى المسلمين أمرُ تقديم الرِّجال، ذلك أنَّ الإسلامَ لا يَعرفُ تقديمَ الرجالِ إنَّما يَعرفُ تقديرُ الرِّجال.
3- أنْ لا يتمتَّعُ الشخصُ المُبَايَعُ بأيِ صفةٍ ذاتيةٍ شخصيةٍ، بل يتَّخذُ مكانتَه باعتباره أميرا للجماعة المسلمة لا غير. فاذا انتقلت الامارة منه الى شخص غیر لسبب أو لآخر، فإنَّ الطَّاعةَ تنتقل إلى ذلك الشخص بصفته أمير الجماعة الإسلامية لا غير.([38]) وعن هذا النظام المقترح يقول المودودي: "لقد اقتبست هذا من تنظيمِ عهد الخلفاء الراشدين، ففي عهدِهم المبارك كانت الجماعةُ الإسلاميةُ منتسبةً إلى الإسلام، وليست إلى الصِّديقِ أو شخصِ الفاروق أو عثمان أو على رضي الله عنهم، وهكذا لم يكن ارتباط النَّاسُ مع شخصٍ الصِّديق أو شخصِ الفاروق، بل مع أمير المؤمنين في أيِّ وقتِ، دونما تقيُّدٍ بشخصٍ معينٍ، والطاعة تكون للنظامِ نفسِه، وليست لشخصٍ معينٍ.([39])
4- مسألة الشيخ والمربد (العلاقة بين الشيخ والمريد): إنَّ ممَّا يروَّجُ اليوم بين جمهور الصوفيَّةِ فيما يسمَّى بخلاقة الشيخ بالمريد لهو من البلاء الخطير الذي يرفضه الإسلامُ جملةً وتفصيلاً، لمَا فيه من اضلالٍ للعباد ونشرٍ للفساد، حيث أنَّ الشيخ المرشد يستهوي الأفراد بشطحاته وخداعه، بالتالي يقعون تحت نفوذ، ويخضعون لسيطرته، وهو يخدِّرُ أفكارَهم ويضحكُ على عقولِهم، حينما يقولُ لهم: إنِّي أملكُ لكمُ الجنَّة... فيقدِّمونَ له النُّدورَ والقرابينَ طمعًا ورغبةً. ويبلغُ من سيطرةِ الشيخِ علی عقول وقلوب المريدين أنَّه يكادُ أنْ يتَّخِذَه المريدون ربًا لهم من دون الله تعالى.([40]) وعن هولاء المشايخ والمريدين يقول المودودی: "إنَّنِي أعتبرُ هولاءِ الشيوخ من أعتى المجرمين وأشدِّهم إجرامًا، وأعتبرُ تابعيهم من الضالين المتعمقين في الضلال. وعن موقفه من هذه المسألة يقول: "لو كان الأمرُ بیدی، ولو أملكُ القوَّةً لأوقفتُ هذا الضلالُ بالجبرِ والإلزامِ".([41])
ه- الكشف والإلهام واستعمال الرموز والإشارات والألبسة الخاصة: إن ادَّعاء المرشد الصُوفي بالقدرة على الكشف والنطق بالإلهام، وممارسته لهذا الادِّعاء يولد عند الانتهاء المريد من نوع من البلادة الحسية والجمود العقلى، بالتالي تزداد فيهم العبودية الذهنية. وأنَّ استعمال الرموز والإشارات الصَّوفية التي تتبع حالة الكشف والنطق بالإلهام يستفز في الأنهاع القسوة المتخيلة التي تحلق بهم في عالم آخر (عالم الطلاسم والأعاجيب) الذي قلما يهبطون منه إلى عالم الحقيقة والواقع.([42])
ومن العادات والتقاليد التي قد دخلت التصوف ما يتعلق بلباسٍ وزیٍ معینٍ خاصٍ بهم دونَ غيرِهم من المسلمين، حتَّى أصبحَ من صميمِ المعتقداتِ التي يدينون بها.
6- إداع غيبة الشيخ المرشد: تأثر بعض الصوفية بما يوجد في المعتقدات الشيمية حول دعوى غياب المرشد عندما يوافيه الأجل، وهم يعتقدون عودته ثانية، ولذلك فهم ينتظرون خروجه.([43])
لقد تعرَّضَ المودودي لبعضِ الانتقادات نتيجةَ مواقفه السَّابقةِ من التَّصوفِ، وما دخله من الأفكارِ والمصطلحات والعادات الغربية عن روح الإسلام وتعاليمه. وسأعرضُ لانتقادات اثنين من المعاصرين وهما الشيخ محمد زكريا الكاندهلوی،([44]) والشيخ أبو الحسن الندوی.([45])
يرى الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي أن المودودي حارب التصوف وأهله أكثر من محاربته للكفر. يقول الشيخ زكريا بالحرف الواحد: "انني عندما قرأت مؤلفاته(أي المودودي) وجدت أنه لا يغضب ضد الكفر والالحاد کغضبه ضد التقليد والتصوف، بل هو بتصوره للتقليد والتصوف يفقد أعصابه.([46])
أقول: إنَّ قولَ الشيخ زكريا السابق عن المودودي وموقفه من التَّصوفَ لا يستندُ الى الدَّليل العلمي المقبول، فهو قولٌ بلا دليلٍ، فلا يلتفت إليه، ولا سِيما أنَّ المودودي قد ذكر أقسام التصوف وبيَّن النوع الجاهلي منها، الذي يرفضه الإسلامُ ألبته، لأنَّه فکرٌ دخیلٌ تأثَّرَ به المسلمون نتيجةَ اختلاطهم بالفلسفات اليونانية والهندية، ولاختلاطهم بأهلها وأخذها عنهم. وذكرَ المودودي أيضًا التَّصوف الإسلامي المقبول، وهو ما كان مستندًا في أصوله ومبادئه إلى نصوص الكتاب والسُّنة. واذا كان الشيخ زكريا نفسه يعتبرُ التَّصوف طريقًا موصولاً إلى الله تعالی وإلی تقوية الإيمان به.([47]) فهل التَّصوفُ الذي هاجمه المودودي طريقًا موصلاً إلى الإيمان بالله أم طريقًا موصلاً إلى معصيةِ الله تعالى وعبادةِ غيرِه. وكان حريًا أنْ يذكرَ الشيخُ زكريَّا الفرقَ بين التَّصوف الإسلامي والتَّصوفِ الجاهلي، وأيهما حاربه المودودي أشدَّ من محاربته للكفر والإلحاد كما زعم. وأمَّا أنْ يوجِّهَ الانتقادات للمودودي دون أنْ يذكرَ شيئًا من ذلك فهو أمرٌ لا يسيرُ وفقَ طريقةِ البحث العلمي والنقاش المنطقی السليم.
وينقل الشيخ زكريا الكاندهلوی عن المودودي قوله: "كلُّ من شاء الآن أنْ يعملَ عملاً على تجديد الإسلام، فحتمٌ عليه أن يجنِّبَ جمهورَ المسلمين لغةَ الصُّوفية واصطلاحاتهم ورموزهم وإشاراتهم ولباسهم وعاداتهم، وسلسلة البيعة والأتباع المعمول بها عندهم، إلى كلِّ ما يذكر بطريقتهم، يجنبهم كل ذلك كما يجنب مریض ذیابیطس (أي مرض السكر) كل شيء حلو.([48]) ثم يعقِّبُ بقوله: "فكروا في هذا القول، ثم أخبروا أليس كتاب الزهد، وكتاب الرقاق، ولباس النبي صلى الله عليه وسلم، ومجاهدات الصحابة ممَّا يذكر هذه الطريقة؟.([49])
يلاحظ القارئ أن الشيخ زكريا قد استدلَّ علی صحة ما عند الصوفية من إشارات ومصطلحات وألبسة خاصة بهم بما كان يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم وما كان يسلكه الصحابةُ رضوان الله عليهم من طرقٍ لتزكيةِ أنفسِهم وتقويَةِ إيمانِهم. ولمناقشةِ مقالةِ الشَّيخِ زكريا أذكرُ ما يلي:-
1- إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابتَه الكرامَ براءٌ من رموزِ واصطلاحات الصُّوفيَّةِ، التي يخدعُ بها المشايخُ الصوفيون أتباعَهم ومريديِهم، كما أنَّهم براءٌ ممَّا نسبَهُ إليهم الشيخُ زكريا من أنَّ الصُّوفيَّةَ يقتدون بطرِقهم وعاداتِهم.
2- إنَّ في قول الشيخ زكريا أنَّ لباسَ الصُّوفية وطرقَهم تذكِّرُنا بلباسِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وطرقِ مجاهداتِ الصحابة تلبيسًا للحقائقِ، وتشويهًا لسيرةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وسيرةِ أصحابه الكرام، حيث ليس هناك دليل واحدٌ يثبتُ هذا القولِ.
3- إنَّ في أقواله تشويهًا لتعاليم الإسلام وآدابه، إذ أدخلَ فيها ما يتبرأُ منه الإسلام، وهو بذلك يساعدُ المستشرقينَ وأعداءَ الإسلامِ الذين يحاولون الطَّعنَ في العقائدَ والقيمَ الإسلاميَّةِ عن طريق دراستهم للطرق الصُّوفية، وما فيها من بدعٍ ومخالفاتٍ للإسلام عقيدةً وشريعةً.
4- إنَّ ممَّا يقلِّلُ من أقوال الشيخ زكريا ويطعنُ في صحَّتِها أنَّه لم يذكرْ لنا من السُّنَّةِ النَّبويَّةِ أو من سيرة الصحابة وأحوالهم من الأدلة الصحيحة التي تؤکِّدُ نسبةَ رموز الصوفية وعاداتهم وألبستهم المتنوعة إلى الإسلام.
5- وأخيرًا إنَّ كتبَ الأذكار والرقائق والزهد المشهودَ لها بالصِّحةِ والقَبولِ لدى كافة العلماء العدول لم تذكرْ لنا طرقَ الصُّوفية وعاداتهم وتقاليدهم ولباسهم على أنَّها الطريقُ الصَّوابُ الذي يحسنُ للمسلمين سلوكُها والسيرُ فيها، أو الأخذُ بها لكي يزكُّوا أنفسَهم ويُهذِّبوا أخلاقَهم، أو لكي تزیدُ ایمانُهم وتقويَهُ.
وأمَّا الأستاذ أبو الحسن الندوي، فهو ينتقد المودودي لموقفه من التَّصوفِ، وذلك في كتابه "التفسير السياسي للإسلام في مرآة كتابات الأستاذ أبي الأعلى المودودي والشهيد سيد قطب". وسأَعرِضُ أولاً أراءَ الأستاذِ النَّدويِّ ثمَّ أقومُ بمناقشتِها:
ولمناقشة مأخذ الندوي السالف ذكره على المودودي أقول:-
إنَّ المودودي لم يعترضْ على نفس التَّصوفِ الذي دعا إليه هؤلاء الأئمة، ويتَّضح ذلك جليًا من قول المودودي فی هذا الشأنِ: "وحاشا لله أنْ أكون من المعترضين على نفسِ التَّصوف الذي دعا إليه هوءلاء المجددونُ، والذي كان في روحه وجوهره تصوفًا إسلاميًا خالصًا، وكان لا يختلفُ في موضوعه ونوعيته عن منزلة الإحسان في شيء، ولكنَّ الذي أراه كان خليقًا بأن يُجتَنَبُ ويتحامى هو استعمال إشارات التصوف ورموزه واختيار لغته وأسلوبه، والإبقاء على الطريقةِ المماثلةِ لطريقته.([53]) فالمودودي إذاً لا يعترضُ على نفسِ التَّصوف الذي دعا إليه هولاء الأئمة، بل يعترض علی ما دخل التصوف من الرموز والاصطلاحات والإشارات الغريبة، ويرى من الواجبِ تنقيَة التَّصوفِ من هذه الأشياء التي لا تمت إلى الدِّينِ بصلةٍ، والتي تشوه التصوف المشروع.
وقد ذكرَ المودوديُّ عیوبَ استعمالِ هذه الأشياء، وفي نفس الوقتِ دعا إلى تركِها، والعملِ على استبدالِها بما هو جائزٌ شرعًا. يقولُ المودوديُّ: "وذلك أنَّه من الظاهرِ المعقولِ أنَّ التَّصوفَ الإسلامي الحقيقي ليس بمفتقرٍ إلى هذا القالب المخصوص، بل قد يتخذُّ له قالب من الشكل الآخر، ويختار له لغة ومصطلح غير ما راج في جمهور الصوفية من اللغة والمصطلح، وتتجنب إشاراتهم وتلميحاتهم، وكذلك قد يستبدل بما هو شائع في الصوفية الرائجة من نظام البيعة والعهد بين المرشدين والمریدین. فالمودودي يدعو إلى نبذِ قالبِ التَّصوفِ العتيق وما دخلَه من أشياءَ منافيةً للدِّين.([54]) وإذا كانت الرموز والإشارات والاصطلاحات قد وجدت في التَّصوف الرائج زمن الإمامين السرهندي والدهلوی، فإنَّا لا نُسلِّمُ بالتَّجاوزِ عنهما في هذا الجانب دون توجيه النقد إليهما - وهذا ما فعله المودودي- وهذا لا يحطُّ من مكانتهما، ولا ينقصُ من جهودِهما في خدمة الدِّين. فالبشر معرضون للخطأ، وأعمالهم ممضة للنقص، فلا عصمة إلاَّ للأنبیاء صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين.
ولقد مدحَ المودودي أعمالَ الشيخ أحمد السرهندي في مجال التَّصوف، يقول: "إنَّه طهَّرَ معینِ التَّصوفِ من الأدناس والأكدار التي كانت تسربت إليه من ضلالاتٍ الفلسفة الرهبانيَّة، وجاء بالتَّصوف الإسلامي الأصلي الصحيح.([55])
2- يقول الأستاذ الندوی:"إنَّ الأستاذَ المودوديَّ آمنَ کحقيقةٍ بديهيَّةٍ ثابتةٍ لا تقبلٌ عندَه جدالاً ولا نقاشاً: بأنَّ التَّصوفَ عبارةٌ عن البَطالة والكسل والجمود، والفرارِ عن معتركِ الحياة، والانسحاب من ميدان الكفاح والنضال".([56])
ولمناقشة ما حكاه الندوي عن المودودي اذكر ما يلي:-
- لم أقف على كلامٍ للمودودي يذكرُ فيه أنَّ التَّصوف عبارة عن الكسل والبطالة، وعدم السعي للحصول على الرفق والكسب والحلال، كما ذكر الندوي. وقد سبق أن ذكرت التَّصوفَ الإسلامي المشروع الذي يدعو المودودي إلى إحيائه من جديد، وهو الذي يرتبط بالشريعة الإسلامية ولا ينفصل عنها أبدًا. وهو يعنى التَّمسُكَ بآدابَها والالتزامِ بأحكامِها، ومن أحكامِها السعيُ وراءِ الرِّزقِ، والعملُ لتحصيلِه، وعدمُ الكسلِ والبطالةِ. وإنَّ ما ذكرَه الندويُّ من أنَّ المودودي يؤمنُ به كحقيقةِ ثابتةِ: "التَّصوفُ عبارةُ عن البطالة والكسل والجمود"، إنَّما ينطبقُ على التَّصوفِ الذي يدعو المودودي إلى إصلاحِه وتنقيتِه ممَّا خالطه من أشياءَ غربيةٍ کعلاقة الشيخِ بالمريدِ، وما يدَّعيَه الشيخُ من الكشف والإلهام، وما يمارسه من استعمالٍ للرُّموزِ والإشاراتِ الصُّوفيَّةِ التي يستولي بها علی قلوبِ أتباعِه ويسيطِرُ علی عقولهم.
- إنَّ واقعَ جمهور الصُّوفيَّةِ اليومَ يشهدُ لدعوى المودودي، حيث تكثرُ الجماعاتُ الصُّوفيَّةُ لتي تفرغت للأذکار والقصائد والموالد.([57]) وقد أَدخلَت في مناهجِها وطرقِها كثيرًا من البِدعِ وأعمالِ الشِّرك كالاستغاثةِ بالشَّيخِ الميِّتِ، وتقديمِ النُّذورِ والذبائحِ له ولخلفه من المشايخ الأحياء، وشدِّ الرِّحال إلى قبور بعض الرجال، بدَعوى أَنَّهم من الأولياء الصالحين الذين يُستشفع بهم. وعند هؤلاء الأتباع ومشايخهم انتشرت البطالة، ووجد الكسلُ والجمودُ، حيث يعتمدونَ في معيشتِهم علی جهل العامَّةِ من المسلمين الذين يقدِّمون لهم الأموالَ والهباتِ والصدقاتِ والنُّذورَ طمعًا في أن يجلبوا لهم نفعًا أو يدفعوا عنهم ضُراً.
3- ينقلُ الأستاذُ الندوي عن المودودي قولَه: "هل هناك دلیلٌ واقعیٌ في الكتابات الصُّوفيَّةِ على أنَّ هولاء الشيوخ - الذين تنتمي إليهم هذه المناهجُ الصُّوفيَّةُ- كانوا يضعون في اعتبارهم إقامة الدِّين بأوسع معانيه، وهل هناك دليلٌ على أنَّهم إنَّما اتخذوا هذه المناهج من أجل تخريج الرِّجال لهذا الغرض، وهل قام الرجالُ المُتخَرِّجونَ فيها ولو مرةً بهذا العمل.([58]) وقد ردَّ الأستاذُ الندويُّ علی تساؤلاتِ الشيخ المودودي السابقةَ بنمَاذجَ من الرِّجالِ الذين جمعوا بين التَّصوفِ والجهادِ، من أمثالِ الأمير عبد القادر الجزائري،([59]) الذي حاربَ الفرنسيين لمدَّةِ خمسة أعوام متتاليةٍ، والسيد أحمد شريف السنوسي وعمُّه المهدی السنوسيُّ([60]) اللذين حاربا الإيطاليين عندما هاجموا المدنَ اللِّيبية، والسيدُ أحمد الشهيد([61]) وغيره من علماء الهند الذين حاربوا الاحتلال الإنجليزي وتصدَوا لعدوانه، وذكرَ لنا الندوي صفحات من جهادهم وكفاحهم من كونهم أصحابُ قدمٍ راسخٍ في المجاهدات والرياضات الصوفية.([62])
ومع موافقتي لانتقاد الندوي للمودودي في هذه الناحية فإنني أرى أنَّ المودودي ما غاب عن ذهنه أمثال هؤلاء العلماء المجاهدين، بدليلِ أنَّه ذكرَ الأعمالَ الجليلةَ التي قام بها السيد أحمد الشهيد وصاحبه الشيخ اسماعيل الشهيد.([63]) والتي تتمثَّلُ في إصلاحِ أخلاقِ العامَّةِ، وتقويمِ سلوكهم وفق تعاليم الدين الحنيف، والإعداد للجهاد على نطاق واسع، ظهرت فيه البراعة في أمور الادارة والتَّنظيم، وأنَّهما سعيا لإقامة الحكم الاسلام، وقد نفذا فعلاً في المنطقة الصغيرة التي أُتيحت لهما. وكان الحكم فيها على منهاج الخلافة الراشدة.([64]) أقولُ إنَّ المودوديَّ لمْ يكنْ يقصدُ هذاين الإمامَيْن المجاهديْن وأمثالهما، وإنَّما كانَ يقصدُ غيرَهم من شيوخ الطُّرقِ الصُّوفيَّةِ المنتشرين اليومَ في كثيرٍ من ديار العالم الإسلامي قد تفرغوا للأذکار والموالد والأدعية، ولممارسة الطُّقوسِ والشعائرِ الصُّوفيَّةِ الدَّخيلةِ.
ولقد قدَّرَ الله تعالی ليَ أنْ أمكثَ ليلةً عندَ بعضِ هؤلاءِ المشايخِ، وشاهدتُ بعيني ما يحدثُ في حلقاتِهم من أعمالٍ لا تُرضِي الله تعالى ولا رسولَه صلَّی الله عليه وسلَّم، حيثُ الدروشةُ، والضربُ على الطُّبولِ، والصِّياحُ المرتفعُ، والأناشيدُ والأقوالُ التي لم يُفْهَمْ منها شيئًا، وعند هؤلاءِ المشايخِ يأتی جهلةُ المسلمين، ومعهم الأموال والهبات، يلتمسون عندهم جلبَ النَّفعِ لهم أو دفعَ الضُرَّ عنهم. غير أنَّ هذا الذي هو حاصلٌ في هذا العصر، والذي هو محلٌ للذمِّ والعيبِ من كلِّ مُنصفٍ عارفٍ بالإسلام معرفةً صحيحةً فإنَّه لا يَسَعُنَا إلاَّ أنْ نُسلِّمَ مع الأستاذِ النَّدويِّ أنَّ تساؤلاتِ المودوديِ کانت عامةً، تتناولُ جميعَ المُتصوفةِ، وحيث إنَّ الندويَّ قد ذكرَ أمثلةً من المجاهدين الصُّوفيَّةِ يمكنُ الردُّ بها علی تساؤلات الشيخ المودودي، وحيث إنَّ المودودي نفسَه قد ذكرَ نماذجَ مماثلةً لمَا ذكرَ الندويُّ، فإنَّ هذه النماذجَ كلَّها يمكنُ الردُّ بها على تساؤلات المودودي، والحقُّ أنَّه ما كانَ ينبغي أنْ يجعلَ المودوديُّ تساوءلاتَه عامَّة بهذه الصورةِ، بحيث تشمل بعمومها هذه النماذج الطبية.
[1]- انظر مبادئ الإسلام: المودودي ص 133-134.
[2]- انظر المصدر السابق ص 134-135، وأبو الأعلی المودودي فکره ودعوته ص 85.
[3]- انظر موجز تاریخ تجديد الدين وإحيائه ص 151.
[4]- الكشف عند الصوفية: يعنى عندهم رفع الحجب من أمام قلب الصوفي وبصره ليعلم بعد ذلك كلَّ ما يجري في هذا الكو. انظر التعريفات: الجرجانی باب الفاء مادة الفيض- باب الكاف مادة الكشف.
[5]- وحدة الوجود: أي أنَّ الله هو الحق: وليسَ هناك إلاَّ موجودٌ واحدٌ، وهو الموجود المطلقُ، أمَّا العالمُ فهو مَظهرٌ من مظاهرِ الذَّات الإلهيَّة، وليس له وجودٌ في ذاته، لأنَّه صادرٌ عن الله بالتَّجلِي. انظر المعجم الفلسفي: د. جميل صليبا 2/569.
[6]- الاتحاد: أي شهود الوجود الواحد المطلق الذي الكل موجود بالحق، فيتحد به الكل من حيث كون كل شي موجودا به معد وما بنفسه لا من حيث ان له وجودا خاصا انحل به فإنَّه محال. انظر المصدر السابق 1/35.
[7]- والحلاج هو الحسين بن منصور الحلاج الفارسي البيضاوي البغدادی، صوفی، متكلم وله شطحات كثيرة، وأقوال سقيمة منها قوله: ما في الجهة إلاَّ الله، وأنَا الحقُّ. وقد أفتى معظم علماء عصره بإباحة دمه، يقول أبو بكر ابن الصولی: رأيت الحلاج وخاطبته، فرأيت جاهلاً يتعاقل، وغبيًا يتبالغ، وفاجرًا يتزاهد، وكان من جهله خبيثا، وكان يتنقل في البلدان. انظر المنتظم: ابن الجوزی 1/190-194، وتاریخ بغداد: البغدادی 8/211، وفیات الاعيان: ابن خلان 1/50-60.
[8]- ابن الفارض: (571- 632ه): هو عمر بن علی بن المرشد بن علي الحموي الأصل ، المصري، شاعر، صوفی، اشتغل بفقه الشافعية، أخذ الحديث عن ابن عساكر، وأخذ عنه الحافظ المنذري، ثمَّ حُبِّبَ إليه سلوك طريق الصوفية. وكان يعتزل الناسَ، ويأوي إلى المساجد المهجورة والأماكن الخربة، توفي بالقاهرة، له دیوان شرحه سبط علی، وشعره ينعقُ بالاتحاد الصَّريح. انظر وفیات الأعيان: ابن خلکان 3/127-129، لسان المیزان: ابن حجر العسقلاني 4/397.
[9]- ابن عربی (290-938ه): هو محي الدين بن محمد بن علی بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي الحاتمی والمرسی، صوفی، ولد بالأندلس، له آراء سقيمة وشطحات صوفية كفرية، أنكرها علماء أهل زمانه، له مؤلفات عديدة منها: الفتوحات المكية في معرفة الأسرار المالكية والمكية، وفصوص الحكم. من أقواله: الوجود كلُّه واحدٌ، ووجود المخلوقات عینُ وجود الخالق، ووجودُ الله هو الوجودُ الحقيقي، ووجودُ العالمِ هو الوجود الوهمي. انظر فوات الوفيات: الكتبي 3/330-440، سير أعلام النبلاء: الذهبي 13/231،
[10]- ابن سبعين (614-669ه): هو عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الأشبیلی المرسى القرمظی. صوفی، حكیم، درس العربية والآداب بالأندلس، له أقوال سقيمة ومنها: لقد كذَّب ابن أبی کبشة على نفسه حيث قال لا نبيَّ بعدي. له مؤلفات ومنها: أسرار الحكمة المشرقية، الحروف الضمية في الصور الفلكية، جواهر السر المنير فی أصول البسط والتكسير. ولا تخلو مؤلفاته من الأقوالٍ الباطلة القريبة إلى وساوس المتجردین. انظر وفیات الاعیان: ابن خلكان 1/274، لسان المیزان: ابن حجر العسقلانی 2/392.
[11]- ابن القيم (691-751ه): هو محمد بن أبی بكر بن أیوب بن سعد بن جرير الزرعي ثم الدمشقی، الحنبلی، المعروف بابن قيم الجوزية، فقیه وأصولی ومفسر، مجتهد، نحوی، محدث، لازم شيخ الإسلام ابن تيمية، ويعتبر من تلاميذه النجباء، وسجن معه في قلعة دمشق، من مؤلفاته: زاد المعاد في هدي خير العباد، وإعلام الموقعین عن رب العالمين، وتهذيب سنن أبی داود، هداية الحيارى في الردِّ على اليهود والنصاری، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، مدارج السالكين. انظر الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: ابن حجر العسقلانی 4/21-23، شذرات الذهب: ابن العماد 6/198، الذيل علی طبقات الحنابلة: ابن رجب 2/447-452.
[12]- ابن الجوزی (510-597): هو عبد الرحمن بن علی بن محمد بن علی بن عبد الله بن حمادي، القرشی التميمي البكری، البغدادي الحنبلی، مُحدِّث، حافظ، مفسر، فقيه، واعظ، أدیب، مؤرخ. من مؤلفاته: جامع المسانيد في سبع مجلدات، المنتظم فی تاريخ الأمم، زاد المسير في علم التفسير، تلبيس إبليس، بستان الواعظين وریاض السامعين. انظر تذكرة الحفاظ: الذهبي 4/ 1342-1348، والذيل على طبقات الحنابلة: ابن رجب 1/399-433.
[13]- أبو الأعلی المودودي فكره ودعوته ص 258.
[14]- انظر موجز تاریخ تجديد الدين ص 126.
[15]- انظر مبادئ الإسلام ص 135-136، موجز تاریخ تجديد الدين ص 150.
[16]- نحن والحضارة الغربية ص 109-110، 331-332.
[17]- فضيل بن عياض: هو فضیل بن عیاض التميمي، ابن مسعود بن بشر، الإمام القدوة الثبت شيخ الإسلام أبو علي عرف بالزهد والتصوف والبعد عن الدنيا، وی عن جماعة من كبار التابعين منهم الأعمش، ومنصور المعتمر، وقال سفيان بن عيينة :فضيل ثقة، وقال ابن مهدي فضيل رجل صالح، ولم يكن بحافظٍ، وقال العجلي: كوفي ثقة متعبد، رجل صالح، سكن مكة، كان رحمه الله دائم الحزن، كثير البكاء، شديد الفكرة، اذا سمع القرآن أو ذكر الله فاضت عيناه بكى حتی يرحمه من بحضرته، توفی سنة 187ه. انظر حلية الأولياء وطبقات الاصفياء: أبو نعيم الأصفهانی 8/84، صفوة الصفوة: ابن الجوزی 2/139.
[18]- ابراهيم بن أدهم: من أهل بلخ بخراسان، كان من أبناء الملوك والمياسير، ترك الدنيا وأصبح من أهل الزهد والورع، وعرف بالصدق والصلاح والسخاء، روي أنه أكل الطين عشرين يوما خوفا من أن يأكل طعاما فيه شبهة حرام، روى الحديث مرسلاً ومسندًا، عن جماعة من التابعين وتابعي التابعين. انظر حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم الأصفهانی 7/367-371، 8/ 41، طبقات الصوفية: للسلمي ص 27-29.
[19]- معروف الكرخي: من أهل كرخ ببغداد، وهو من جملة المشايخ المشهورين بالورع والزهد، وقد وع العلم الكثير، فشغلته الرعاية عن الرواية، كان رحمه الله أستانا لسري السقطی، روى عن بكر بن خنيس، وعبد الله بن موسی وابن السماك، توفي سنة 200ه، ودفن بغداد. انظر حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم الأصفهاني 8/390-397، صفوة الصفوة 2/183، وفيات الأعيان: ابن خلكان 2/136.
[20]- انظر أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته ص 289.
[21]- انظر رسالة الصوفية والفقراء من مجموع الفتاوي ص 5.
[22]- انظر أبو الأعلی المودودي فكره ودعوته ص280-286.
[23]- المصدر السابق ص 289.
[24]- رواه البخاري في كتاب الإیمان، باب سؤال جبریل النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم فی کتاب الإیمان، باب الإسلام والايمان والإحسان رقم 9، 10، وأبو داود في كتاب السنة، باب في القدر رقم 4698، والنسائی فی کتاب الإیمان، باب صفة الإيمان والإسلام 8/101.
[25]- انظر الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية ص 72-73.
[26]- جريدة الدعوة التي تصدرها الجماعة الإسلامية في الهند، عدد صفر 1401ه- فبرابر 1981م، من مقال بعنوان: من معالم الطريق - تربية الداعی فی سبیل إقامة دين الله ص 5.
[27]- بتصرف عن كتاب تذكرة دعاة الإسلام للمودودی ص 56-59.
[28]- لا يقصد المودودي بالمراقبة مراقبة الله تعالى التي وردت في حديث الرسول صلى الله عيه وسلم: "الإحسان ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك"، بل يقصد شيئًا لاحظه في سلوك الصوفية، ولم يعجبه منهم، ويسَمُّونَه مراقبة.
[29]- تذكرة دعاة الإسلام ص 59.
[30]- البيعة اصطلاحا: أخذ العهد على الطاعة في المنشط والمكره، والإقرار بالتبعيَّةِ. انظر مقدمة ابن خلدون ص 209، أبو الأعلى المودودی فكره ودعوته ص 384.
[31]- انظر بيعة الرضوان في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد 2/303-304.
[32]- انظر أبو الأعلى المودودیي فكره ودعوته ص 289، وانظر هذه البيعة في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد 2/133.
[33]- أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته ص 384.
[34]- يشير إلى حديث عبد بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو کره، إلاَّ أن يؤمَر بمعصية، فإن أُمر بمعصيةٍ فلا سمعَ ولا طاعةَ". رواه البخاری مسلم.
[35]- من حديث رواه مسلم رقم 1851 فی کتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن.
[36]- أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته ص 385.
[38]- بتصرف من كتاب أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته ص 387.
[39]- نفس المصدر السابق ص 388.
[40]- انظر أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته ص 385، وموجز تاریخ تجديد الدین ص 128.
[41]- نفس المصدر السابق ص 386.
[42]- بتصرف بسيط عن کتاب موجز تاریخ تجديد الدین ص 128.
[43]- انظر المصدر السابق ص 129.
[44]- محمد زكريا الكاندهلوی: (1322ه- 1402ه). نشأ في بيت علم وصلاح وتقوی، والده من كبار علماء الهند، تلقَّى العلم عن والده وعمه الشيخ محمد إلياس إمام جماعة الدعوة والتبليغ بالهند، درس في جامعة مظاهر العلوم بسهارنفور، عمل في الجامعة المذكورة مدرسًا للحديث الشريف، وتدرَّجَ فيها حتَّى أصبح رئيسًا لقسم الحديث، ولذا اشتهر باسم "شیخ الحدیث"، له عدَّةُ مؤلفات مفيدة منها: أوجز المسالك في شرح الموطأ للإمام مالك، لامع الداری فی شرح صحيح البخاری في عشرة مجلدات، الكوكب الداری فی شرح جامع الترمذی، وهو في أربعة مجلدات. انظر الفيصل عدد 66 ذو الحجة 1402ه/ اکتبر 1982م ص 11.
[45]- أبو الحسن الندوي ( 1332هـ-1420هـ :(علي أبو الحسن بن عبد الحي بن فخر الدين، كان والده علامة الهند ومؤرخها. حفظ القرآن الكريم، وتعلم الأردية والإنجليزية والعربية، التحق بدار العلوم لندوة العلماء عام 1929م، ودرس علوم الحديث والتفسير والفقه. أسَّسَ مركزاً للتعليمات الإسلامية عام 1943م، واختير أميناً عاماً لندوة العلماء عام 1961م. وأسس حركة رسالة الإنسانية عام 1951، والمجمع الإسلامي العلمي عام 1959م، في لكنهو بالهند. اختير أول رئيس لرابطة الأدب الإسلامي العالمية عام 1986م .وكان عضواً في مجامع اللغة العربية في كل من دمشق والقاهرة وعمان. ترك ثروة علمية كبيرة من المؤلفات، قاربت على ثلاثمائة عنوان باللغة العربية، ومن أهمها: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية، إلى الإسلام من جديد، إذا هبت ريح الإيمان، الطريق إلى المدينة، رجال الفكر والدعوة في الإسلام. انظر: موقع الشيخ أبي الحسن الندوي، وموقع رابطة الأدب الإسلامي العالمية على الإنترنت.
[46]- الأستاذ المودودی ونتائج بحوثه وأفكاره ص 93.
[47]- انظر نفس المصدر السابق.
[48]- الأستاذ المودودی ونتائج بحوثه وأفكاره ص 82، وهو منقول عن کتاب موجز تاریخ تجديد الدین للمودودي ص 129.
[49]- نفس المصدر السابق ص 82.
[50]- الإمام أحمد بن عبد الأحد السرهندی (971-1034ه): أخذ أكثر العلوم والطريقة الجثتية عن والده، وأخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ في الدين عبد الباقي النقشبندی، اشتغل بالوعظ والإرشاد والتدريس، ولسعة علمه وفضله ونشاطه في محاربة البدع والأهواء وأهل الزيغ والضلال، لُقِّبَ بالمُجدِّدِ. له عدة مصنفات ورسائل منها:الأسفار الثلاثة ، الرسالة التهليلية، رسالة في المكاشفات الغيبية. انظر نزهة الخواطر 5/14-53.
[51]- ص 110-111، قد نقله الندوي من كتاب موجز تاریخ تجدید الدین بالأردية ، والكتاب مطبوع بالعربية، جاء في ص 127 من الطبعة العربية: "فكما أنَّ مثلَ الماء في طيبه وطهارته قد يحماه المريض إذا كان له فيه ضررٌ، كذلك إن هذا القالب علی کونه مباحًا، قد عاد حقيقًا بأن ينبذَ ویلغی البتةَ، لأنَّ في طياته قد غذى المسلمين بالمخدرات، وفی ضمن تعاليمه قد سوَّلَ لهم الجمودَ. فهم لا يقاربونه إلاَّ وتعتريهم تلك الحالة من النشوة والذهول التي لم تزل تلاطفهم وتهددهم قرونًا متواليةً.
[52]- التفسير السياسي للإسلام ص 110-111.
[53]- موجز تاریخ تجدید الدین ص 126.
[54]- موجز تاریخ تجدید الدین وإحيائه ص 126-127.
[55]- المصدر السابق ص 100-101.
[56]- التفسير السياسي للإسلام ص 112.
[57]- انظر حوار بين الدعاة الأعلام المودودي والندوي وسيد قطب: أحمد محمد جمال ص 56-57.
[58]- التفسير السياسي للاسلام للندوی ص 13، وانظر رسائل ومسائل للمودودي 2/602.
[59]- الأمير عبد القادر الجزائری (1222-1300ه): هو عبد القادر بن محي الدين بن مصطفی بن محمد بن المختار بن عبد القادر الجزائري، أمير، مجاهد، صوفی، أديب، ولد بالقيطة في الجزائر. ولمَّا دخل الفرنسيون الجزائر يايعه الجزائريون، فقاد حملة للجهاد ضد الفرنسيين، لمدة خمسة أعوام من عام 1832-1837م، نفاه الفرنسيون إلى طولون ومنها إلى انبواز، ولمَّا أُطلِق سراحُه ذهب إلى سوريا واستقرَّ في دمشق، وفيها توفي ودفن. من مؤلفاته: ذکری العاقل وتنبيه الغافل، المواقف في التصوف، وهو ثلاثة مجلدات، وله دیوان شعر. انظر حاضر العالم الإسلامي: لاثروب ستو دارد الأمریكي، تعقیب اشكيب أرسلان 2/166-164، الأعلام: الزرکلی 4/170.
4- أحمد شريف السنوسی: ( 1284-1301ه): هو أحمد الشريف بن محمد بن محمد بن علي السنوسي، أحد كبار الطريقة السنوسية المعروفة ببلاد المغرب العربي، ولد في واحة جنون بليبيا، وأقام بواحة الكفرة، حارب الإيطاليين لمَّا دخلوا طرابلس، توفي بالمدينة، من مؤلفاته: الأنوار القدسية في مقدمات الطريقة السنوسية. انظر حاضر العالم الاسلامی 2/145 وما بعدها، الأعلام 4/170.
ومحمد المهدي السنوسي (1260-1320ه): هو محمد بن محمد بن علي السنوسي، في (الزاوية البيضاء) بمدينة البيضاء في ليبيا، والده مؤسس الطريقة السنوسية، أكمل المهدي أعمال والده، فأسس كثيرًا من الزوايا، وقام بتربية أفراده روحيًا، وإعدادهم عسكريًا للجهاد ضد الإيطاليين، اتَّخذَ واحة جغبوب مركزًا للدعوة ثمَّ تحوَّلَ عنها إلى واحة الكفرة بعيدًا عن أنظار الأعداء، ثمَّ انتقل الى وادي، فتوفي بها. انظر حاضر العالم الإسلامي 2/191، الأعلام 7/301-302.
[61]- الشيخ أحمد الشهيد:(1201-1246ه)، هو أحمد بن عرفان بن نور الشريف الحسني البريلوي، صوفي، زاهد، تقي، ولد في بلدة رای پریلی في بلاد الهند، دخل في بيعته خلق كثير من مسلمي الهند، جاهد أعداء الإسلام، وحارب البدع والخرافات وأعمال الشرك التي راجت في الأوساط الإسلامية في عهده، واستطاع أن يقيم إمارة إسلامية على بقعة صغيرة من بلاد الهند وذلك بالتعاون مع الشيخ إسماعيل الشهيد، استشهد الشيخ أحمد في أحد المعارك مع كثير من أصحابه. انظر نزهة الخواطر: للعلامة عبد الحي الحسني 7/27-32، موجز تاریخ تجديد الدين وإحيائه للمودودی ص 121–131.
[62]- انظر التفسير السياسي للإسلام في مراة كتابات الأستاذ أبي الاعلی المودودي والشهيد سيد قطب ص 113-133.
[63]- الشيخ إسماعيل الشهيد:(1191-1246ه)، هو الشيخ إسماعيل بن ولي الله ن عبد الرحيم الحمری الدهلوى، أخذ العلم عن جملة من علماء زمانه، وأخذ الطريقة عن الشيخ أحمد بن عرفان الشهيد الذي شاركه جهاده ودعوته. عرف الشيخ إسماعيل بالزهد وحسن الخلق والكرم والصلابة في الدين، وله اجتهاداتٌ في المسائل الفقهية مشهورة، وله مؤلفات عديدة من أحسنها: الصراط المستقيم، وايضاح الحق الصريح في أحكام الميت والضريح، منصب الإمامة، وله مختصر فی أصول الفقه. انظر نزهة الخواطر: للعلامة عبد الحي الحسني7/56-57، وموجز تاریخ تجديد الدين وإحيائه للمودودی ص 121–131.