البريد للتواصل: drsregeb11@gmail.com

مقالاتي

الموقفف من عودة العلاقة بين حركة حماس والنظام السوري



  • نشر في: 23-9-2022م
  • ساعة: 3:14
  • طباعة

     كثيرون من طلبة العلم يسألونني ما موقفك يا شيخنا من عودة العلاقة بين حركة حماس والنظام السوري؟.

      أقول وبالله استعين ومنه التوفيق: كوني من أهل العلم بقطاع غزة لم استشر من الحركة في هذا القرار، كما لم يستشر فيه أحدٌ من زملائي أهل العلم الشرعيين سواء في رابطة علماء فلسطين في غزة، أو هيئة علماء فلسطين في الخارج،  بل سمعنا به عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مرةً من خلال تصريح ورد على لسان الأخ القائد الدكتور خليل الحية رئيس "مكتب العلاقات العربية والإسلامية"، في حماس" لصحيفة "الأخبار" اللبنانية، ردًا على سؤال حول العلاقات مع النظام السوري، حيث جاء فيه: إن مؤسسات الحركة "أقرَّت السعي لاستعادة العلاقة مع دمشق. ونشر الخبر في بعض وسائل الإعلام  يوم 28/6/2022م.

 

       وسمعناه من خلال- بيان العلماء الثمانية، والذين يمثلون الآلاف من علماء العالم الإسلامي: وقد جاء في البيان إنَّ بعد اجتماعهم بعدد من قيادات الحركة، وممَّا جاء فيه "إيمانا من العلماء بدورهم وقياما بوظيفتهم من قول الحق ونصح الخلق، ويقينا بأهمية قضية فلسطين، وسعيا للإسهام في القيام بحقها وحق شعبها المجاهد، وحرصا منهم على حركة حماس ذات التاريخ الناصع والتجربة التي ألهمت الأمة، بقياداتها التي ضحت تضحياتٍ كبيرةً لا يزايد عليها أحد". وأضاف: "وتقديرا للرأي العام المشغول بقضية فلسطين، وما يجري لها من تطورات مهمة في هذه الفترة من حياة الأمة؛ فقد تنادى عدد من العلماء ورأوا الاجتماع بقيادة المكتب السياسي للحركة للاستماع منهم مباشرة حول ما يتعلق بقرارهم الخاص باستعادة العلاقة مع النظام السوري، والقيام بواجب النصيحة". وأردف: "إننا نحيط الجميع علما أن الوفد العلمائي قد التقى قيادات الحركة من المكتب السياسي، واستمع لحيثيات الموضوع ومسوغاته من وجهة نظرهم". وتابع: "بيّن مجمل الحضور من العلماء أن في هذا القرار (استعادة العلاقات مع النظام السوري) مفاسد عظيمة، ولا تتفق مع المبادئ والقيم والضوابط الشرعية، وهذا في نظر الحاضرين يقتضي أن تقوم الحركة بمراجعته وإعادة دراسته في ضوء ما ذكره العلماء". وأشار البيان إلى أن "العلماء في تواصل دائم انتظارا لرد قيادة حركة حماس ليقوموا بالواجب الشرعي المناسب للموقف، والمحقق لمصلحة قضية فلسطين التي هي قضية المسلمين جميعا". وقد  تم تنزيل البيان في موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وفي عشرات المواقع الإخبارية وغيرها.

 

     وحمل البيان توقيع كل من أصحاب الفضيلة: الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس هيئة علماء اليمن، والشيخ أسامة الرفاعي رئيس المجلس الإسلامي السوري، والشيخ الدكتور علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والشيخ الدكتور عصام أحمد البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. والشيخ عبد الحي يوسف عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والشيخ  الدكتور محمد عبد الكريم الأمين العام لرابطة علماء المسلمين، والشيخ سامي الساعدي أمين عام مجلس البحوث بدار الإفتاء الليبية، والشيخ الدكتور وصفي عاشور أبو زيد عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأستاذ في فقه المقاصد الشرعية، وهؤلاء العلماء من العلماء المشهورين العاملين لدعم القضية الفلسطينية، ولقد شاركتهم في عدة لقاءات عبر الزوم، ومن خلال بيانات مشتركة صدرت لصالح القدس وأهلها والاقصى وقضايا المسلمين.

  -  ثم قام المجلس الإسلامي السوري بإنزال بيان يوم 6 ذو الحجة 1443هــ  الموافق 5 تموز 2022م، والذي قرأته عبر صفحته في الفيسبوك: ومما جاء فيه أنه تمَّ خلال هذا اللقاء إيصال رسالة واضحة من علماء العالم الإسلامي عموماً والمجلس الإسلامي السوري خاصةً مفادها إن لم تستجب الحركة لطلب العلماء بعدم عودة العلاقات مع النظام المجرم فسيصدر المجلس الإسلامي السوري بياناً مفصلياً حول هذا القرار الخطير، وهذا اللقاء تم لساعات مطولة كان الحديث فيها منصباً بكليته على خطورة قرار حماس إعادة العلاقة مع النظام المجرم، وإن المجلس الإسلامي السوري يزن مواقف الدول والجماعات والأفراد قرباً أو بعداً بميزان ثورتنا السورية العادلة ضد نظام طائفي مجرم. ختاماً إن المجلس الإسلامي السوري إذ يؤكد رفضه للحلف الإيراني فإنه يبين ثباته ودعمه للقضية الفلسطينية العادلة ورفضه التطبيع مع الكيان الغاصب.

 

    - ثم أصدرت جمعية الاتحاد الإسلامي في لبنان بيانًا، جاء فيه: "إلى الهيئات والمؤسسات الداعمة للقضية الفلسطينية الكبرى...لا يَخفى على كلّ متابعٍ للشأن العام أنّ مناصرةَ حقوق المسلمين في قضاياهم العادلة، وعلى رأسها: القضيّة الفلسطينية الكبرى، والثورة السورية اليتيمة؛ واجبةٌ على المجتمع الإسلامي أفراداً وجماعات، وجوباً شرعيّاً وأخلاقيّاً. وأنّ رصَّ الصفّ واجتماع الكلمة - وخاصة في المواقف المصيريّة- مطلبٌ سامٍ مُلحّ لكل فصيل إسلامي يحمل همومَ الأمة ويدافع عن قضاياه، نزولاً عند أمرِه جلّ وعلا: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة:2. وإننا في جمعيةُ الاتحاد الإسلامي إذ ننوّه بالدورِ الرائد الذي قامتْ به حركةُ المقاومة الفلسطينية "حماس" - عبر تاريخها الطويل - في تمثيل قضية الشعب الفلسطيني والتعبيرِ عن أوجاعه وآماله، فإننا تتوجسُ خِيفةً من الأخبار المتتالية التي تفيدُ بأن "حماس" تنوي فتحَ صفحة جديدةٍ مع النظام المجرم في دمشق، وتستعِدُّ لإعادة العلاقات معه. وهذا ما لا نتمناه- بل نتألّم لسماع خبره ويزعجنا- من الإخوة الأفاضل في "حماس" الذين تجمعُنا بهم روابطُ الأخوّة والمحبة. وإننا إذ نثمّنُ البيان الذي أعلنه المجلس الإسلامي السوري، والفتوى التي أصدرها رئيسُ مركز تكوين العلماء "العلّامة محمد ولد الددو" بتحريم استعادة العلاقات مع نظام الأسد. فإننا نطالب في جمعية الاتحاد الإسلامي رؤساءَ وأمناءَ الهيئات والمؤسسات الإسلامية بإصدار بيان مشترك: يدعو الحركة دعوةَ ناصح كريم ألّا تخطو هذه الخطوة التي قد تغنَم بها غنيمةً سيّاسيّةً مؤقتةً، لكنها على المدى المنظور تعدُّ خسارة كبيرة لمكانتِها التاريخية في ضمائر المسلمين. ويذكّرها بأن الباطل مهما طالَ وتعاظمَ، فلابد من يوم يتغلّبُ عليه الحقُّ ويَدْمَغُه، مصداقاً لقوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18]، ويحذّرها من خطورة فتحِ العلاقات مع سفّاكي الدماء وقاتِلي النساء والأطفال، وانعكاسِه سلباً عليها، مما يهددُ رصيدَها الجماهيري ويفقدها ظَهيرها العُلمائي".

 

   -  كما سمعت إلى الفيديو الذي تحدّث فيه الشيخ  العلامة محمد الددو من فتوى التحريم بهذا الخصوص. ومما قال مخاطبًا حركة حماس: "لا أرى أنه يجوز لكم أن تربطوا مع بشار الأسد أي علاقة لما في ذلك من تلويث الحركة وتشويه سمعتها وإلحاق الضرر الكبير لدى عمقها وهي الأمة الإسلامية وأهل السنة بالخصوص، فضلا عن إلحاق الضرر بنا جميعا فكلنا مدافعون عن الحركة ولكن مثل هذا النوع من القرارات (التطبيع مع الأسد) حرام ولا نجد وجها للدفاع عنها ولا تسويغها للأمة الإسلامية، لا شك أن بشار الأسد من أظلم الظالمين في هذا الزمان، ولا يختلف في الأمر اثنان من العقلاء، ولا شك أن الركون إليه كسر لخواطر إخوانكم الذين أسال دماءهم واعتدى على نسائهم ورجالهم وأطفالهم وهدم مساجدهم ومدنهم".

    ويضاف لذلك ظهور فتاوى لعدة جهات ومؤسسات علماء، وفتاوى فردية في داخل فلسطين وخارجها ومقالات كلها تُعبِّرُ عن موقفٍ رافضٍ لعودة العلاقات مع النظام السوري، وأخشى ما أخشاه إصدار عدد كبير من علماء الأمة فتاوى أو أقوال تترك أثاراً كارثية غير مسبوقة على الحركة نتيجة هذا القرار الغير موفق.

 

 وفي الثامن من حزيران 2019م نقل موقع "الخليج أونلاين" عن الشيخ نايف الرجوب القيادي في حماس قوله: إن العلاقات مع سوريا لن تعود في ظل وجود النظام الحالي برئاسة بشار الأسد، مؤكداً ن أي تقرُّب من هذا النظام سيكون على حساب الشعوب الحية، والنظام السوري لم يعد له أي تأثير على المستوى الإقليمي، والتقرب منه في ظل الظروف الحالية سيكون ضرراً محضاً وعديم الجدوى أو المنفعة. ومن الخطأ التعويل عليه أو التقرب منه. وأكّد الشيخ نايف الرجوب أنه لا يوجد أي مصلحة للشعب الفلسطيني ولا حتى لحركة حماس في تطبيع علاقاته مع نظام متهالك ومدان بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولن يستطيع تقديم أي فائدة للقضية، خصوصاً أن شعبه لا يجد طعاماً يأكله.

 والسؤال: ما الذي تغير في النظام السوري من نظام مجرم ومتهالك ولن يقدم شيئًا للقضية الفلسطينية، ولا يوجد أي مصلحة للشعب الفلسطيني ولا حتى لحركة حماس في تطبيع العلاقات معه، حسب تصريح هذا القيادي الحمساوي؟.

 

      ومعلوم أن العدو الصهيوني تخترق طائراته الأجواء السورية كل يوم، وتقصف أي قاعدة أو مطار أو ثكنة تريدها، كما استهداف الاحتلال الصهيوني مقاتلي إيران وحزب الله والنظام في سوريا من دون أي رد على هذا الاستهداف. وهذا يعني إن نظام بشار الأسد لا يستطيع تقديم أي حماية أو ضمانة لحماس أو غيرها في سوريا، ما دام لم يستطع حماية نفسه. ونظام بشار قتل الشعب السوري لا يقوى على مواجهة العدو اليهودي، بل يقصف العدو اليهودي سورية كل يوم ولم يحرك النظام السوري ساكناً، فهل ستتولى حماس المشاركة في معركة الدفاع عن نظام بشار مما يجعل الأمة تنفض من حولها، ولو تذرَّعَت بأنَّها تقاتل العدو اليهودي.

 

 كما اطلعت على ما يقوم به حسن نصر الله أمين حزب الله اللبناني من ترويج لفكرة إعادة العلاقات، حيث صرَّح حسن نصر الله، لقناة "الميادين" الشيعية اللبنانية: إن تسوية العلاقة بين حركة حماس وسوريا يهتم بها هو شخصيا، ومؤكدا أن المسار يتقدم بشكل إيجابي، وفي تصريح تلفزيوني منذ أعلن نصر الله أنه نفسه الوسيط بأمر إيران للمصالحة بين حركة حماس السنية والنظام السوري (نشر التصريح يوم26  يوليو 2022م، أي قبل صدور قرار رسمي عن حركة حماس حول عودة العلاقات).

 

      ويضاف إلى ذلك حجم الجرائم التي ارتكبها النظام الطائفي السوري ضد الشعبين السوري والفلسطيني في أكثر من عشر سنوات فاقت جرائم العدو الصهيوني عدة أضعاف كيفا وكماً، أكثر من 600 ألف قتيل وتهجير أكثر من 5 مليون مواطن خارج سوريا وأكثر من 7 مليون مهجرون داخل سوريا نفسها.. وهدم النظام المجرم عشرات الآلاف من البيوت، آلاف منها فوق رؤوس الناس. ومسحت أحياء كاملة من المدن السورية، لقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين قَضَوا تحتَ التَّعذيبِ في سجون النظام نحو 631، فيما يبقى مصير الآلاف منهم بينهم نساء وأطفال مجهولا في المعتقلات والسجون والتعذيب فيها، وفق آخر إحصائية لـ "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا". وفي أواخر يونيو2021م في الذكرى الـ 63 للنكبة عام 2011م دفع بشار الأسد بعدد من الشبان الفلسطينيين نحو الحدود ليلقوا حتفهم برصاص الإسرائيليين، وكل ذلك من أجل التشويش على الثورة التي كانت في مهدها

 

     وشاهدنا بشاعة الجرائم التي ارتكبها ليس لها مثيل ومنها ما وقع تحت شعارات طائفية مقيتة. ومنها أن الجنود السوريين يطالبون من يصوبون الرصاص نحوه أو من تناله سياطهم أن يقول (بشار هو الله).. وشاهدنا من يقتلون أبناء الشعب السوري وهم يقولون: (يا لثارات الحسين) .. وشاهدنا من يقتل العشرات بعد أن يدفعهم في حفرة كبيرة ويقول له: خذ هذه وشتم حماس..

 

     وشاهدنا ما شاهدته الشعوب المسلمة في مجزرة "حي التضامن" بدمشق، الضابط السوري يقول لأحد الضحايا: "حماس يا عرصة؟"، ثم يرميه في الحفرة ويطلق عليه الرصاص. هذا الموقف وحده كفيل في التعبير عن نظرة الأجهزة الأمنية في سوريا لحركة حماس، بالتالي فقيادة حماس قد ستكون مستهدفة من هذه الأجهزة الأمنية والمخابراتية والعسكرية، حتى لو كانت هناك ضمانات إيرانية بسلامتهم. ومعروف للجميع الاقتتال بين الأجهزة الأمنية السورية المختلفة، والمليشيات الإيرانية وحزب الله وغيرهم على النفوذ والمصالح التجارية وغيرها. - ظهرت لكل متابعتي وسائل إعلام النظام السوري، من خلال البرامج الحوارية والإخبارية وكلام الضيوف في هذه البرامج، - أثناء معركة حد السيف- الرغبة والتمني لدى النظام السوري بهزيمة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصة حركة حماس.

     لذلك وغيره كثير إنَّه من الصعوبة بمكان أن تنجح إعادة العلاقة مع دمشق في ترتيب العلاقة من جديد بين الحركة مع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وتحديدا في مناطق النظام السوري، لأن النظام لن يسمح لحماس بأن تعود للعمل في المخيمات كما كانت ما قبل الثورة. وفي المقابل ستفقد حماس حاضنتها الشعبية من اللاجئين الفلسطينيين في مناطق المعارضة السورية، إن أعادت علاقاتها مع نظام دمّر المخيمات واعتقل وقتل الفلسطينيين وهجّر الآلاف منهم إلى الشمال السوري ودول الجوار وأوروبا. كما ستخسر حماس المزيد من حاضنتها الشعبية من فلسطينيي سوريا في الخارج، في حال إعادة العلاقات مع دمشق.

 

        لذلك فإنَّ ما أخشاه - وهو ما لا أتمناه مطلقا- أن تكون عودة العلاقات مع النظام السوري قد يفقد حركة حماس حاضنتها من غالبية علماء الأمة الإسلامية الناصحين له، باختلاف جنسياتهم، خاصة وقد عبَّر بعضهم عن موقفه الرافض بشدة لعودة العلاقات مع النظام السوري، ومعظمهم يرأس تجمعًا من العلماء في بلاده.

 

   وقد يقول قائل يا شيخ هناك مصالح سوف تتحقق من عودة العلاقات مع النظام السوري: والجواب سهل وميسور، فلقد اطلع العلماء الثمانية الناصحون  كما في بيانهم – وفيهم علماء متخصصون في فقه المقاصد وفيهم من هو من أهل الفتوى- على مبررات اتخاذ القرار من عدد من قيادات الحركة ومنها ما عدَّوه مصالح سيحققونها من وراء إعادة العلاقة مع النظام السوري، ولقد فندوا هذه المبررات، ولم يقتنعوا بالمصالح المطروحة، كونها متوهمة وليست متحققة، بل ستترتب على القرار مفاسد عظيمة، وهذه المصالح لا تتفق مع المبادئ والقيم والضوابط الشرعية، وجاء في بيانهم: "وتقديرًا للرأي العام المشغول بقضية فلسطين، وما يجري لها من تطورات مهمة في هذه الفترة من حياة الأمة؛ فقد تنادى عدد من العلماء ورأوا الاجتماع بقيادة المكتب السياسي للحركة للاستماع منهم مباشرة حول ما يتعلق بقرارهم الخاص باستعادة العلاقة مع النظام السوري، والقيام بواجب النصيحة".وأردف: "إننا نحيط الجميع علما أن الوفد العلمائي قد التقى قيادات الحركة من المكتب السياسي، واستمع لحيثيات الموضوع ومسوغاته من وجهة نظرهم". وتابع: "بيّن مجمل الحضور من العلماء أن في هذا القرار مفاسد عظيمة، ولا تتفق مع المبادئ والقيم والضوابط الشرعية، وهذا في نظر الحاضرين يقتضي أن تقوم الحركة بمراجعته وإعادة دراسته في ضوء ما ذكره العلماء". وقد قدر الله تعالى أن اطلع على المبررات وما قيل هي مصالح متحققة، وبعد دراستها وربطها بالواقع، والاطلاع على قضايا أخرى، لم أجد حسب دراستي – لي دراسة من عدة صفحات في ذلك- ما يجعلني أميل إلى أن المفاسد المترتبة على القرار متعددة ومتحققة، بينما المصالح المتوقعة يستحيل أن يتحقق منها شيء. ومعلوم أنَّ الخوض في الحديث عن المصالح والمفاسد هو لأهل العلم المتخصصين في فقه المقاصد الشرعية.. لذا قال سادتنا العلماء: إن الأحكام الشرعية هي نفسها الراعي الحقيقي لجلب المصالح ودرء المفاسد، والشريعة إنما بنيت على ذلك، ولا يقتصر هذا على تعارض المصالح مع المفاسد، بل يتناول أيضا مراعاة جلب أعلى المصلحتين عند التعارض، ودرء أعلى المفسدتين عند التزاحم، وإنما يحكم بذلك الراسخون في العلم، العارفون بمقاصد الشرع، المميزون لرتب الأحكام وتفاوتها. وهؤلاء العلماء يطلعون على ما عند أهل الميدان من مسائل وما يظنونه مصالح أو مفاسد، فيصدرون المواقف بعد ذلك.

    ونذكر هنا إخواننا بقول الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (آل عمران:173-174. وهم الذين قال لهم بعض المشركين: إن قريش قد أجمعت أمرها على الرجوع إليكم لاستئصالكم، فاحذروهم واتقوا لقاءهم، فإنه لا طاقة لكم بهم، فزادهم ذلك التخويف يقينًا وتصديقًا بوعد الله لهم، ولم يَثْنِهم ذلك عن عزمهم، فساروا إلى حيث شاء الله، وقالوا: حسبنا الله أي: كافينا، ونِعْم الوكيل المفوَّض إليه تدبير عباده. قال تعالى( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ( آل أعمران:14، ويكشف لهم جانبًا من حكمة تقدير الابتلاءات عليهم (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل عمران:140-142. وما أحوجنا المسلمين إلى فقه هذه الآيات، واستحضارها، والعمل بها مع تكالب الأعداء من يهود وصهاينة عرب، وغرب صليبي، بصورةٍ لا يكاد يوجد لها في التاريخ مثيل؛ كيدًا لشعبنا الفلسطيني الصابر وحركته المجاهد، وتآمرًا عليه وعليها.

    وهنا أجد لزاما على نفسي أن أوجه نصيحتي لقيادة حركة حماس المجاهدة أن تستجيب لنصائح أصحاب الفضيلة العلماء الناصحين لها وللهيئات والمؤسسات العلمية الناصحة لها، وأكرِّرَ ما صدر عن الأخ الدكتور نواف هايل تكروري رئيس هيئة علماء فلسطين في الخارج، من قوله: "...إنني أدعو الأخوة الكرام في قيادة هذه الحركة المجاهدة إلى مراجعة القرار مراراً وتكراراً، وإني لأعلم أنه سُلق سلقاً وأُخذ بطرائق لا تصلح لاتخاذ مثل هكذا قرار مفصلي، وعهدنا بهذه الحركة المجاهدة توسيع دائرة الشورى في مسائل أقل وأبسط من هذه القضية، فكيف بهذه؟، وإني لأسأل الله تعالى في سري وفي علني أن يهدي هؤلاء الأخوة إلى الصَّواب، وأن يصرف عنهم الأشرار".

                         والله تعالى نسأل التوفيق والسداد وأن يشرح صدورنا للحق وقبوله والعمل بما فيه.

 

هل أعجبك الموضوع؟