البريد الإلكتروني: drsregeb11@gmail.com

قضايا عقائدية

دعوى الصُّوفيَّةِ أُلوهيَّة أَوليائِهِم وكرَامَاتِهم وتَفْضِيلِهم على النَّبي



دعوى الصُّوفيَّةِ أُلوهيَّة أَوليائِهِم وكرَامَاتِهم وتَفْضِيلِهم على النَّبي

إعداد الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب

أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة

كلية أصول الدين- الجامعة الإسلامية

1444ه- 2023م

بسم الله الرحمن الرحيم

       إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً، وبعد...

المقدمة:

     يتكون هذا البحث من الموضوعات التالية: الأول: اعتقاد الصوفية ألوهية أوليائهم، والثاني: اعتقاد الصوفية مشاركة الأولياء الله في أسمائه وصفاته: والثالث: تفضيل الصُّوفيَّة الولاية على النُّبوَّة: والرابع: أربابُ المٌتصوِّفةِ كلٌ يَدَّعي أنَّه خاتمُ الأولياء، وشطحات الصوفية في كرامات أوليائهم.

الهدف من البحث:

    يهدفُ هذا البحثُ إلى بيانِ شَطَحَاتِ وانحرَافَاتِ الطُّرقِ الصٌّوفيَّةِ، حيثُ ثبَتَت عن مشايخِهِم وأربابِهم كثيرٌ من هذه الشطحات والانحرافات التي لا يُمكن أنْ بُصَدِّقُها من لديهِ ذرةٌ من إيمانٍ أو مسكةٌ من عقلٍ. والعَجَبُ العُجَاب أنْ تجد من يُصدّقُهَا، وهم كَثيرٌ من مشايخ سلسلة الطريقةِ، الذين يَقُصُّونَها لأتباعِهم من المريدين، وينشرونَها في كتبهم، بل ويعدُّونَ نشرَها من بابِ ذكرِ الكرامات لمشايخهم الكبار، وهم بذلكَ يَستغفلونَ عوامَ المسلمين وجهلتهم، وهي وسيلةٌ عندهم لجذبهم هؤلاء المضللين لطرقهم الصُّوفيَّةِ البِدعيَّةِ الجَاهِلِيَّةِ.

    يعتقدُ الصُّوفيَّةُ في الأولياء أيضًا عقائدَ شَتَّى، فمنهم من يُفَضِّلُ الوليَّ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعامَّتُهُم يَجعلُ الوَليَّ مساويًا لله تعالى في كلِّ صفاتِه، فَهُوَ يَخلُقُ ويَرزُقُ ويُحِي ويُمِيتُ ويتصَرَّفُ في الكَونِ، ولهم تقسيماتٌ للولاية، وأنَّ أولياءَ الله يتفاوتون في المَراتِبِ. فمنهُمُ الوتدُ، ومنهم النُّجُب، ومنهم القُطُب، ومنهم الغَوْثُ. فَالغَوْثُ الأكبرُ هو المُتحكِّمُ في كلِ شيءٍ في العالم، والأقطابُ والأربعةُ الذين يُمسِكونَ الأركانَ الأربعةَ في العالمِ بأَمرِ الغَوْثِ، والأبدالُ السَّبعةُ الذين يتحكَّمُ كلُّ واحدٍ منهم في قارَّةٍ من القَارَّاتِ السَّبعِ بأمرِ الغَوْث. ومنهم النُّجباءُ وهمُ المُتَحَكِّمونَ في المُدُنِ، كلُّ نجيبٍ في مدينةٍ!!. وهكذَا فشبكةُ الأولياء المزعومةِ تَتَحكَّمُ في الخَلْقِ، ولهم ديوانٌ يَجتمَعونَ في غارِ حرَّاء كلَّ ليلةٍ، يَنْظُرونَ في المَقَاديرِ، ويوجدُ الرجبيون اثنا عشر: ومقامهم موسمي فلا يكون لهم مقام إلا في شهر رجب ثم يفقدون ذلك الحال وهم النقباء.([1]) ونُسِبَ إلى شيخِ الطَّريقةِ الرِّفَاعيَّةِ أحمد الرِّفَاعي قولُه بأنَّه: "لا يَزالُ الوليُّ يَرتَقي وتَرتَفعُ منزلتَه حتَّى يُكلٍّفُه اللهُ مُهمَّةَ مَا بَينَ السَّمواتِ والأرضِ، ثُمَّ لا يَزالُ يَرتَقِي من سماءٍ إلى سماءٍ، حتَّى يَصِلَ إلى مَحَلِّ الغَوْثِ، ثُمَّ تَرتفعُ صفتُه إلى أنْ يَصيرَ صفةً من صفاتِ الحقِّ تَعالى فَيطَّلُعُه على غَيبِه حتَّى: لا تَنبُتُ شَجرةٌ ولا تَخضرُّ ورقةٌ إلاَّ بنظرِهِ".([2])

     وذكرَ الكشمخانليُّ أنَّ طبقةً من الأولياء هي طبقة (الرَّحمَانيين) الإلهيين، وهُمْ ثلاثةٌ، عند الوحيِ والحوادث يجلسونَ عَرَايَا على حجرٍ مَليحٍ، يَسمَعونَ الوَحْيَ، ويفهمونَ المُرَادَ منْهُ".([3])

   ويؤمن الصوفية بوجوب عصمة الولي من المعاصي وأنّ الله يحفظه من الوقوع فيها، يقول القشيري: الولي من توالت طاعته من غير تخلل معصية، وأنَّ الله يتولى حِفظَه فلاَ يَخلُقُ له الجذلانَ الذي هو القدرةُ على العصيان.([4])  

     ومنهم من لا يعتقدُ ذلك، ولكنَّهم أيضًا يتَّخِذونَهُم وسائطَ بينَهم وبينَ رَبِّهِم؛ سواءً كانَ في حياتَهم أمْ بَعْدَ مَمَاتِهم. وكلُّ هذا كما هو معلومُ لكلِّ مسلمٍ خلافَ الولاية في الإسلام التي تقوم على الدِّينِ والتَّقوَى، وعملِ الصَّالحاتِ، والعبوديَّةِ الكاملةِ لله تعالى والفقرِ إليه، وأنَّ الوَليَّ لا يَمْلُكَ من أَمرِ نفسِه شَيئًا فضلاً عن أنَّه يملكُ لغيرِهِ، قالَ اللهُ تَعَالَى لرسولِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) الجن:21، وباختصارٍ عالمُ الأولياء عالمٌ خُرَافيٌ كَاملٌ.

الأول: اعتقاد الصوفية ألوهية أوليائهم:

    قال تعالى: (وَلقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل:36، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء:25، وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء) سورة البينة:5، وقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) سورة النساء:36.

    فالعبادةُ كمَا هو معلومٌ بالضَّرورةِ من الدِّين هي بجميعِ أنواعها حقُّ الله تعالى، لا يجوزُ أنْ تُصرَف لأحدٍ من دونه، سواءٌ لملك مقرب أو نبي مرسل، ولا تصرفُ لولي صالح ولا لغيرهم، وهذا حقُّ الله على العباد، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حقُّ الله على العباد أنْ يَعبدوه ولا يشركوا به شيئاً" أخرجه البخاري ومسلم.

    يقول أحمد التجاني شيخ الطريقة التجانية: "اعلم أن حقيقة القطبانية هي الخلافة العظمى عن الحق مطلقاً في جميع الوجود جملة، وتفصيلاً، حيثما كان الرب إلها كان هو خليفة في تصريف الحكم، وتنفيذه في كل من عليه ألوهية الله تعالى، ثم قيامه بالبرزخية العظمى بين الحق والخلق، فلا يصل إلى الخلق شيء كائناً من كان من الحق إلا بحكم القطب، وتوليه، ونيابته عن الحق في ذلك، وتوصيله كل قسمة إلى محلها، ثم قيامه في الوجود بروحانيته في كل ذرة من ذرات الوجود جملة وتفصيلاً، فترى الكون كله أشباحاً لا حركة لها، وإنما هو الروح القائم فيها جملة وتفصيلاً".([5])

     وهذا القطبُ – الخرافة- له ثلاثمائة وست وستون ذاتاً، إحدَاها بمكَّة المُشرَّفةِ لا يخرج منها ما دام حياً، والذاتُ التُّرابيَّةُ حيثُ أرادَ الله تعالى من البلاد ... وفرقُّ في هذه الذَّوات باعتبار ما يَختصُّ بِه كلُّ منها، وأيُّ ذاتٍ اختَصَت بشيءٍ من التَّرقياتِ، والتَّجِليَاتِ، والفُتُوحَاتِ، والأسرارِ وغيرَها في بلدٍ، فذلك الاختصاصُ سارَ لجميعِها".([6])

  ولذا فإنَّ أئمَّةُ المتصوفة قد خالفوا أمرَ الله تعالى وناقضُوا كتابَه، فشرعوا لأتباعهم عبادَةَ الأولياء، والتَّقربَ إليهم بأنواع القربات بزعمِ أنَّهم تحققوا بالألوهية، فاستحقُوا العبادةَ! جاءَ رجلٌ إلى أحمد الرفاعي فقالَ له: يَا سَيِّدِي أَنتَ تُعطِي النَّاسَ يَدَكَ يُقَبِّلونَها! فقالَ: ما يُقبِّلونَ يَدي، وإنَّمَا يُقبِّلونَ اسمَ الله العظيمِ".([7])

   وقال العارفُ الصوفي علي وفا ([8]): "إذا رأى العارف – أي الولي- أنه عينٌ معروفهٌ - أي عين الله - فلا بأسَ في تَعظيمِ العِبادةِ له".([9]) ويزعم الصَّوفيَّةُ أنَّ الشِّركَ في الألوهية تمرينٌ للمُريدِ على عبادة الله، أي يَعبُدَ الوليَّ أولاً، ثمَّ إذا تمكَّنَ في عبوديته تهيَّأَ لعبادة الله! وفي هذا يقول أحدهم: "الشيخ مرتبةُ إدمانٍ للمريدِ يتمرَّنُ فيها قبلَ معاملتِه لله عزَّوجلَّ، فكلُّ أدبٍ لمْ يُحْكمه مع شيخِه لا لَهُ فعله يَصِحُّ مع ربِّه عزَّ وجلَّ إلاَّ بِرُعونَةِ نفسٍ".([10]

   ويحذِّر الصوفيَّةُ من التَّوجه في العبادةِ إلى الله مباشرةً، ويؤكِّدونَ على جعلِ الولي والشيخ واسطةً بينهم وبين الله يدعو لهم، ويتوبُ عنهم، ويغيثهم، وينزِّلُ عليهم البركاتِ بزعمهم. يقول أحدُ مشايخِ الصوفيَّةِ الشَّاذليةِ المدعو علي وفا: "ليس للمريدِ من يتوجه إليه بقلبه غيرَ الأستاذ، وليس من مرتبتِه صحَّةَ التَّوجه إلى الحقِّ تعالى؛ لجهلِه به، إلاَّ أنْ يكونْ مُضطراً".([11]

     ويقول أيضاً: "اجعل نفسك عبدًا لله، وكالعبدِ لشيخِك بحكم الواسطة".([12]) وقد جعلَ الصُّوفيَّةُ أنفسَهم عَبيداً لمشايخِهم وأوليائِهم، فهذا مؤسِّسُ الطريقة الختميَّةِ محمد عثمان الميرغني يمدَحَ شيخَه أحمدَ بن إدريسٍ في قصيدة منها، قوله:

سَيِّدُ الأقطاب بل قطبُهُم   فعليهُم حكمُــه دومــاً مـمــرُّ

عُمدَةُ الأغواث بـــلْ غـــوثُـــهُمُ    إنْ أَرادوا للكمالات فَخرٌ

أنتَ غوثٌ للورى إنْ ضَجروا    من مُهمَّاتِ زمانٍ قدْ ذعرُ

أنا عبـــدٌ لإمــــامٍ قــــد وفـَّـــى    لمقاماتٍ بحقٍ جــا الخبرُ.([13])

      وقد فسَّر شيخُ الطريقةِ الجُريريِّةِ عيد أبو جرير بعضَ آيات القرآن الكريم، بغرضِ رفعِ مكانتِه ومنزلتهِ بين أتباعه كونه العارف بالله، فقال: "وَقولُهُ تَعَالَى: (يَا مُعْشَرَ الجِنَّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا ن أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانِ) والسَّلْطَانُ فِي حَقِيقَةِ مَحَمَّدٍ هُوَ العَارَفُ باللَّهِ. وَاجِبُ عَلَيْنَا أَنَّ نُسَلَّمَهُ نُفُوسَنَا حَتَّى لا تَعُوقَنَا عَن عِبَادَةِ اللهِ...". ([14])

      وذكر أحمد السرهندي أن من الصوفية من يسجد للأولياء ثم استنكر هذا الصنيع.([15]) ويرى أبو العباس المرسي أنَّ التَّوجهَ في الصلاة إلى القُطبِ أَولَى بحكمِ الذَّوقِ الصُوفِي من التَّوجهِ إلى القبلةِ. وفي هذا يقول: (لو) كان الحقُّ سبحانَه وتعالَى يُرضَيَه خلافَ السُّنية، لكانَ التَّوجهُ إلى القُطبِ الغَوثِ أَوْلَى من التَّوجهِ إلى الكَعبَةِ". وهذا شيخُ الطَّريقةِ البَرهاميَّة إبراهيمُ الدُّسوقي يَحثُّ أتباعَه على الحَجِّ لَهُ، بِزعْمِ أنَّ له من القَداسَةِ والشَّرف مثلَ ما للكعبةِ والمسجدِ الحرامِ، وفي هذا يقول: "حُجُّوا إليَّ فذاتِي كعبةٌ نُصِبَت، والسرُّ فيها كَسِرِّ البيتِ والحرمِ".([16]) وأمَّا دُعاءُ الصُّوفيَّةِ أئمتَهم، واستغاثُتهم بهم والتَّوجُهُ إليهم بالقلبِ لقضاء الحاجات، وتفريجِ الكُربات، فهذا البَحرُ الذي لا ساحلُ له، والأمثلةُ على ذلك كثيرةٌ جداً. فهذا أبو الحسن الشاذلي يقول: "إذا كَثُرَت عليكَ أَيُّها المريدُ الخواطرُ والوساوسُ، فتوجَّه بقلبِك إلى شَيخِكَ". ([17])

     ومن شطحات الصوفية الشاذلية في شيخهم أبي الحسن الشاذلي ما ذكره الدكتور الصوفي عبد الحليم محمود - الذي تولّى مشيخة الأزهر، وهو خريج جامعة فرنسية- في كتابه من تمجيدٍ لأبي الحسن الشاذلي ومدحٍ للصوفية الشاذلية، ففي كتابه هذا يذكرُ أنَّ الله كلَّمَه على جبل زغوان، وهو الجبلُ الذي اعتكفَ الشاذليُّ في قمته، وتعبَّد وتحنَّث، والذي يُذكرُه نقلاً عن صاحبِ كتابِ (درة الأسرار): "قرأَ الشَّيخُ على جبلِ زغوان سورةَ الأنعام إلى أن بلغ إلى قوله تعالى: (وإنْ تعدل كلَّ عدلٍ لا يؤخذُ منها)، أصابه حالٌ عظيمٌ، وجعل يكرِّرُها ويتحرَّك، فكُلَّما مالَ إلى جهةٍ مالَ الجبلَ نحوَها ... وما كانت حياتُه على الجبلِ إلاَّ على نباتاتِ الأرضِ وأعشابِها".([18]

     وقال إبراهيم الدسوقي: "إذا صدَقَ المُريدُ مع شيخِه ونادَى شيخَه من مَسِيرةِ ألفِ عامٍ أجابَه حياً كانَ الشيخُ أو مَيتاً، فليتوجَّه الصَّادقُ بقلبِه إلى شَيْخِهِ، في كُلِّ أمرٍ دَاهمَهُ في دارِ الدُنيا، فإنَّه يَسمُعُ صوتَ شَيخِه، ويُغِيثُه ممَّا هوَ فيهِ".([19])

    وذكر الشعراني أنَّ غالبَ الأولياء لهُم السَّراحُ والإطلاقُ في قبورهم، وأنَّهم يذهبون ويجيئون متَى شاءوا، ثُمَّ حَكَى عن نفسِه أنَّه ذهبَ إلى قَبْرِ ابنِ الفارض فلم يجده في قَبرِهِ، ثُمَّ جاءَ ابنُ الفَارضَ بَعدَ ذلك، وقالَ لَهُ: "أعذُرْنِي فَإنِّي كُنْتُ في حاجةٍ".([20])

    ويدعو شيخ الطريقة الجريرة عيد أبو جرير السَّالكّ طريقتهم أنْ يُقبِلَ على جماعتَه بكلِّ هِمَّة، فيشربُ من كأسِهم بمِا يُغنيه أبداً، ويصبحُ كلُّ ما يخطرُ على بالِه بين يديهِ، فقال: "...ومُتُ بَيْنَ يَدَيْهِمْ، وَقَلْبُونِي فِي مَعْسَلِهِمْ، وَسُقُونِي مِنْ كُأْسِهِمْ شَرَبَةً لَمْ يَظْمَأ كَبِدِي بَعْدَهَا أَبَدًا بِرَعْمِ طُولِ اللِّيَالِي، وَإِذَا كَانَتْ لِي حَاجَةٌ رَفَعْ طَرْفِي إِلَى سَمَاءِ العَارِفينَ فَيَحْضُرُ بَيْنَ يَدَيَّ مَا هُوَ خَاطِرٌ عَلَى بَالِي، طَلَّقْتُ كُلَّ مَا سِوَاهُمْ..".([21]) وقال شعرًا مبينًا أنَّ من سلكَ طريقةَ الشَّيخِ عيد هو الفائز بمحبة الله تعالى، وسيجِدْ لَه مَخْرِجًا فِي كُلٌّ حَالٍ، وأنَّ من خالفهم فله الويل والذل والثبور. وقال شعرًأ:

وَنَادَى النَّاسَ يَا قَوْمِي هَلْمُّوا     وَغَضُوا الطَّرْفَ عَنْ دَارِ الزَّوَالِ

وَلَا تَرْضَ بِرِيقَتِهِمْ بِدِيلاً       فَنِعْمَ الحَبْلُ يَعْصِمُ مِنْ ضَلَالٍ

وَحَبْلُ اللَّهِ رِبْقَتُهُمْ فَحَاذِرُ     ظُنُّونَ الجَهْلِ أَوْ غَيَّ الجِدَالِ

فلذ بِالقَوْمِ وَاطْلُبَهُمْ سَفِينا      تجد لك مخرجا من كل حال

وَحَبْلُ اللهِ سِرُّ مِن قديــر     وَحَبْلُ اللَّهِ لَيْسَ كَمَا الجِبَالِ ([22])

ومن دعاء أتباع الطَّريقةِ الصوفيَّة الرفاعيَّةِ لشيخِهم أحمد الرفاعي:

يا رفاعي وقعتُ في أعتـابِـكَ    فتدارَكْ عَبداً يَلوذُ ببـــابِـــك

يا رفاعي يــا غـوث كـل البـرايـا     لا تضع طفلاً جميـل الـرجـا بـك

حصن الملهوف والباذل الـمـعـر    وف والعاجزون من أحزابك

أنتَ بابُ الرَّسولِ من غيرِ شكٍ   وأَتينَا نرجو العطـَـا مـن بــابِـك

وأنَا عبــدُك الذي باعتقــادٍ   علقَــت راحتــَـاه فـــي أثـــــوابِــــكِ

فتـحرًّك بــهــمـــةٍ وأغثنِـي   وتذكَّر تُشَــرُّفــٍــي بــانتــســابــــك

رضي الله عنك أدرك فإني   يا رفاعي وقعت في أعتابك. ([23])

      ومن دعاء الصوفية أتباع الطريقة القادرية لشيخهم عبد القادر الجيلاني: يا سلطانَ العارفين، يا فارجَ الكَربِ، يا غوثَ الأعظم، يا صاحبَ الملكِ والملوكِ، يا مُحيي الرَّميمِ، يا غافرَ الأوزار، يا غوثِي، وغيَّاثي، يا قاضِي حاجتي، يا ملكَ الزَّمانِ، يا أمانَ المكانِ، يا حضرةَ الشَّيخِ عبد القادر، أَغثنِي في كلِّ أَحوَالي، أَدركنِي، أغثنِي يا أحمدَ الأَولياء".([24])  

الثاني: اعتقاد الصوفية مشاركة الأولياء الله في أسمائه وصفاته:

      إنَّ الله سبحانه وتعالى له الأسماءُ الحسنَى والصفاتُ العُلا، التي دلَّ عليها القرآن والسنة، ويجب إثباتها لله تعالى مع نفي التشبيه سواءٌ تشبيه الخالق بالمخلوق، أو تشبيه المخلوق بالخالق، قال الله تبارك وتعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) سورة مريم: 65، وقال سبحانه: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ) سورة الإخلاص:4، وقال جلَّ وعزَّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء) سورة الشورى:11. ولكن المتصوفة ناقضوا هذه الآيات، فزعموا أنَّ الأولياء - لفنائهم الكامل في الله، وتجردهم من البشرية - مشاركون اللهَّ تعالى في أَسمائِه وصفاتِه. يقول عبد الكريم الجيلي: عمَّا أسمَاه (منظر الاستواء): "في هذا المنظر يستوي اتصافُ العبدِ بصفاتِ الله تعالى واتصافه بصفات نفسِه، فلا يجدُ في شيءٍ منها تَكلُّفٌ، ولا يحتاجُ إلى تَعمُّلٍ فيكون في أوصاف الله تعالى كما هو في أوصاف نفسِه، يتصفُ بمَا شاءَ؛ فيظهرُ أثرَه، ويتركُ ما شاءَ؛ فيظهرُ أَثَرَه". ويقول أيضاً عن منظر التَّمكُن: "في هذا المشهد يتجلَّى الحقُّ تعالى للعبدِ بذاتِه من حضرتِه فيتصفُ – العبد- حينئذْ بأسمائِه وصفاتِه".([25]

     والمناظر الإلهية التي يدعيها الجيلي هي". والخواطر والخيالات والأوهام التي تعتري الصوفية، حينما يعتقدون وحدةَ الوجودِ، أو وهمْ يسيرونَ في الطَّريقِ المُوصِلِ إليها.

     ويقولُ مؤرِّخُ وشاعرُ الصوفيَّةِ عبد الرحمن الجامي (ت898هـ-1492م): "السَّيرُ إلى الله لا  يَنتهِي إلاَّ بعدَ قَطعِ باديةَ الوجودِ بقدَم الصِّدقِ، والسيرُ في الله لا يكون إلاَّ بعد التَّحَقُقِ بالفناءِ المُطلقِ، فيعطيَه اللهُ وجوداً موهوباً، وذاتاً مطهرةً من لَوثِ الحدثان، فيها يتصف بأوصاف الله".([26])

      ويقول الصدر القونوى فى كتابه (مراتب الوجود) : " فالإنسان هو الحق، وهو التراث وهو الصفات وهو العرش، وهو الكرسى، وهو اللوح، وهو القلم، وهو الملك، وهو الجن، وهو السموات وكواكبها، وهو الأرضون وما فيها، وهو الـعـالـم الدنياوى، وهو العالم الأخراوى، وهو الوجود وما حواه، وهو الحق، وهو الخلق وهو القديم، وهو الحادث".([27]

     ويقول أحد أئمة الصوفية المتقدمين: "إنّ الأسماء التسعة والتسعين تصيرُ أوصافاً للعبد السالك".([28]

     ويقول علي حرازم: "الشيخ التجاني خليفة عن الله كأنه عينه، في جميع المملكة الإلهية بلا شذوذٍ، متصفٌ صفاتِ الله وأسمائِه الحُسنَى كأنَّه عينُه".([29])

   ويقول الشعراني عن الشيخ الصوفي علي وفا:" وكان رضي الله عنه يقول: قيل لي: اسمع كل الموجودات موجوداتي فسمني بما شئت، وصفني بما أردت، وكل من سميته أو وصفته فإنما سميتني، ووصفتني مع تجردي عن كل ذاتك بذاتي، وقيوميتي، فيه معيناتي، اسمع لا يدعو عبد ربه إلا كنت الداعي، ولا يرى عبد قصر أخيه كما يرى سهيل في جنته إلا كان المرئي قصري، ولا حف ملائكة بعرش إلا كان المحفوف عرشي، ولا تكلمت بكلمة إلهية إلا والله متكلم بها، ولا أتيت بأمر إلا والله آت به (أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً) النساء:4".([30]

       وفسَّرَ الصوفيَّةُ قولَ الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء) سورة الشورى:11، بأنَّ الكافَ في (كمثله) ليست صلة، والمراد من الآية هو أنه ليس مثل مثله شيء، أي: ليسَ مثلُ الإنسان الكامل شيءٌ!. ([31])

     ويعتقد الصوفيَّةُ أنَّ الوَلِيَّ على كلِّ شيءٍ قديرٍ، يَحصلُ له ما يُريدُ، بمجردِ أنْ يخطرَ ذلك الأمرُ على قلبِه. يقول سيِدُ الطَّريقةِ الجُرَيريَّةِ الشيخُ عيد أبو جرير: "واجتنب عَقَبَاتِ النَّفْسِ وَالهَوَى تَكُنْ مُحبّاً لِلْحَبِيْبِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، واقتحمْ كُلَّ ما سوَى المُربّي حَتَّى تَكون في مُسْتَقْبِلَكَ لِلْحَقِّ تُرَبَّى، انظُرْ إِلَى اللوح وَالقَلَمِ.. وَإِلى الأرواح المُجَنْدَة.... فكان بحولِ اللَّهِ وَقَوتِهِ يَقُولُ للشيءِ كُنْ فَيَكُونُ".([32]

   وقال العربي بن أحمد بن الحسين بن علي الدَّرْقاوي- شيخ الشاذلية في وقته، ومؤسسة الطريقة الدَّرْقاوية الشاذلية- : "المريدُ الصَّادقُ إذا كان فانياً في الاسم مهما اهتم بالشيء كان، وإن كان فانياً في الذَّاتٍ، تكوَّنَ الشَّيءُ الذي يحتاجهُ قبلَ أنْ يهتمَّ بِهِ".([33])

    وزعمُ مشايخُ الصوفيةُ أنَّ الوليَّ بكلِّ شيءٍ عليمٍ، يسمعُ كلامَ البعيدِ كما يسمعُ كلامَ القريب، وأنَّه لا تَحْجُبُهَ الجدرانُ عن معرفةِ مَا يدَّونُ خلفَها. ذكَرَ الشَّعرانيُّ أنَّ عبدَ القادرِ السُّبكِي([34]) كان كثيرَ الكشفِ، لا يَحجُبُه الجدرانُ والمسافاتُ البعيدةُ من الاطِّلاعِ على ما يفعلُه الإنسانُ في قُعْرِ بيتِهِ".([35]

      وقال أبو العبَّاس المُرسِيِّ الشاذلي: "إيَّاكَ أنْ تستغربَ من شيخِك نُطقَه بالمُغَيَّباتِ".([36])

     وقال عبد العزيز الدباغ: "الوليُّ يسمعُ كلامَ البَاطنِ كمَا يَسمَعُ كلامَ الظَّاهر".([37])  

    ويقول الامام العارف سيدى محمد أبو المواهب الشاذلي "ولى الله المحبوب هو خزانه الأسرار والغيوب وليله القدر السامية الفعال والاسم المجاب والحرف الفعَّال, فلا تعجب إن ظهرت عليه الكرامات وخُرِقت له العادات، لأنَّه فى بقائه صارَ فعلُه فعلَ مولاه. أَـمرُه كلُّه عوائدٌ فينا. ليسَ فى الكون عندنا خرقٌ عادةٍ". ويقول: "وليُّ الله المخصوص دخل حضرةَ الذَّات. وانجلت له حقائقُ الصِّفات، وشهد معانى الأسماء بسائر التَّجلِيَات، هنالك رأى ما لاَ عينٌ رأَتْ ولاَ أُذنٌ سمِعِتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ".

     ويقول أحمد مصطفى العلاوي شيخ الطريقة العلاوية: "قلب العارف لا يزول اضطراره، ولا يكون مع غير الله قراره، فلا يستأنس إلا بالله، فهو مع الله حيثُ كان، فَيسمَعُ منه، ويُبّلِّغُ عنه، ويَتكلَّم بِه. كان يقول بعضُ العارفين :قال لي قَلبِي عنْ رَبِّي، وذلك لصفائه، لأنَّ القلبَ إذا كان منورًا فارغًا من وجودِ الغيرِ، لا تبقى له واسطةٌ بينَه وبينَ رَبِّهِ، فيحدِّثُه في سِرِّه حديثًا تعجزُ عن إدراكه العقولُ".([38])

   ويقول أحمد مصطفى العلاوي: وإذا كان القرآن قد نزل منجمًا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنَّ تَنَزُّلُ المَعَانِيَ يكونُ مُنَجَمًا، وبالقَدَرِ المُحتَاجِ إليه يكون ينبوعُ الحكمة.([39]) وهو يعتقدُ بأنَّه ممَّن حبَاه الله بنعمةِ تَنَزُّلِ المعاني عليه، يقولُ: كنتُ مهمَا يَطرُقُ سَمعي كلامَ الله ترتعد بَوادري عن الفحصِ، حتَّى كأَنِّي أَسمعُ حَسِيسًا من بَقيَّةِ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ.([40])

     وهكذا رَفعَ مشايخ الصوفية من مكانتهم وقدرهم، ورَفَعَ أَتباعُ الصُوفيَّةِ من قَدَرِ أَوليائِهم، فأعْطَوْهُمْ صفاتٍ مَا أَنزَلَ الله بِها مِنْ سلطانٍ، وجعلوهم يعلمون الغيب، ويكلمهم الله ويسمعون منه، ومنهم من جعلَهُم شركاءَ لله تعالى في أسمائِه وصفاتهِ، بلْ هُمْ على الحَقيقةِ قدْ اعتَقَدوا أنَّ الله لا تَتَجلَّى صفاتُه إلاَّ في الأكوان، وأكملُ المَظاهرَ عندَهُم الإنسانُ الكاملُ، أو الوليُّ الصُوفي. فسلبَ الصُوفِيَّةُ صفاتِ الكمالِ عن الله تعالى بِزَعمِ أنَّه الوجودُ المُطلقُ، وأَضافوهَا إلى أوليائِهِم!.

الثالث: تفضيل الصُّوفيَّة الولاية على النُّبوَّة:

     يذهبُ المُتصوفَةُ إلى تَفضيلِ الولايةِ على النُّبوةِ والرِّسالةِ. وقد بيَّنَ الشهرستانيُّ مذهبَ هذه الطائفةِ فقال: "ادِّعَت طائفةٌ من الصوفيَّةِ أنَّ في أولياء الله تعالى من هو أفضلُ من جميع الأنبياء والرسل، وقالوا: من بلغَ الغايةَ القُصوى من الولاية سقطت عنه الشرائعُ كلُها من الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك، وحُلَّت له المحرماتُ كلُّها من الزنا والخمر وغير ذلك، واستباحوا بذلك نساءَ غيرِهم".([41])  

      ويقول أبو الحسن الأشعري: "وقد زعم بعضُ الصوفيَّةِ أنَّ العبادة تبلغُ بهم حتَّى يكونوا أفضلَ من النبيين والملائكة المقربين".([42]

    وإن ما يرويه الصُّوفيَّةُ عن أئمتهم يُصدِّقُ ما قاله الشهرستاني والأشعري. كقول أبي يزيد البسطامي: "خُضنَا بحرًا وقفَ الأنبياءُ بساحلِه".([43])

   وقول إبراهيم الدسوقي: "أنا موسى عليه السلام في منَاجَاتِهِ، أنَا عليٌ رضيَ الله عنه في حملاتِه، أنَا كلُّ وليٍ في الأرض خَلَعتُه بيدِي، أَلبِسُ منهم من شِئْتُ، أنَا في السَّماءِ شاهدتُ رَبِّيَ، وعلى الكرسيِّ خاطبتُه، أنَا بيديَّ أبوابُ النَّارِ غلقتها، وبيديِّ جنَّةُ الفردوسِ فتحتُها، مَنْ زَارَنِي أُسْكنتُه جَنَّةَ الفِردَوسِ".([44]

وفي تَفضيلِ الولايةِ على النُّبوةِ والرِّسالةِ يقولُ ابنُ عربي:

      سَماءُ النُّبـــوَّةِ فــي بـــرزخٍ   دُوَيْنِ الوَلِي وفوقَ الرَّسولِ ([45]) وفي مصادر أخرى ورد (مقام): بدل (سماء). ويقول أيضاً: "فلكُ الوِلايِةِ المقامُ الأوَّلُ، ثمَّ النُّبوةِ، ثمَّ الرِّسالة".([46])

    ويوضِّحُ الصوفيَّةُ مرادَهُم مِنْ أنَّ ولايةَ الرسول أفضلُ من نبوته، ونبوتُه أفضلُ من رسالته، في حالةِ مَا إذا اجتمَعَت هذه المقاماتُ في شخصٍ واحدٍ. يقول ابن عربي: "إذا سمعت أحداً من أهل الله - من الصوفية- يقول: "الولاية أعلى من النبوة أو الولي فوق النبي والرسول؛ فإنَّه يعنى بذلك في شخصٍ واحدٍ، وهو أنَّ الرسولَ من حيثُ هو وليٌ أَتمُّ من حيثُ هوَ نبيٌ رسولٌ".([47])

      ويقول داود القيصري([48]): "المرسلون أعلَى مرتبةٍ من غيرِهم؛ لِجمعِهِم بينَ المراتب الثَّلاث: الولايةُ والنُّبوةُ والرِّسالةُ، ثُمَّ الأَنبياء؛ لجمعِهم بين المرتبتين: الولايةُ والنُّبوةُ، وإن كانت مرتبةُ ولايتِهم أعلى من نُبوَّتِهم".([49]) ويقول شيخ الصوفية عبد الغني النَّابلسِي: "النَّبيُّ في مقامِ ولايتِه أفضلُ منه في مقامِ نُبَّوتِه ومقامِ رِسَالتِه".([50]

     بلْ قدْ وردَ عن بعضِ الصُّوفيَّةِ أنَّهم يُفَضِّلونَ الأولياءَ- وإنْ لم يكونوا من الأنبياءِ والمرسلينِ على الأِنبياءِ والمرسلينِ. قال أبو يزيد البسطامي: "خُضْنَا بَحْرَاً وقفَ الأنبياءُ بساحِلِه". وقال عبد القادر الجيلاني: "معاشرُ الأنبياءِ أُوتِيتُم الَّلقبَ، وأُوتِينَا ما لَمْ تُؤْتَوْه".([51])

     وقال الصوفي إبراهيم الدسوقي: "أنَا كنتُ مع أيوبٍ في زمنِ البلا وما شُفِيَت بلوَاهُ إلاَّ بِدعوَتِي..".([52]) وقال شيخهم الأكبرُ ابنُ عربي: "فخاتمُ الرُّسلِ من حيثُ ولايتِه نسبتُه مع الخَاتِم للولاية نسبةُ الأنبياءِ معَهُ".([53]) وقال أيضاً: "وليسَ هذا العلمُ إلاَّ لخاتِم الرُّسل وخاتِمُ الأولياء. حتَّى إنَّ الرُّسلَ لا يَرَونَه - متَّى رَأَوْهُ - إلاَّ من مُشكاةِ خَاتَمِ الأَولياء".([54]) وقدْ اقتبسَ ابنُ عربي فكرةِ (خاتم الأولياء) من الحكيم الترمذي الذي صَنَّفَ كتابَ (ختم الولاية) والذي تَعرَّضَ بسبِبِه إلى النَّفيِ من بلدِه ترمذ، وشهدَ عليهِ أهلُها بالكفرِ، إذْ كانَ يقولُ بأنَّ للأولياء خاتمًا كما أنَّ للأنبياءِ خاتمًا. فلجأَ إلى أهلِ بَلخ لموافقتهم له في المذهب، فتلقاها ابن عربي منه.([55])

    وقد أشار إلى هؤلاء ابن حزم الظاهري بقوله: "ادعت طائفة من الصوفية أنَّ في أولياء الله تعالى من هو أفضلُ من جميعِ الأنَبياء والرُّسل".([56]) وقد فضل هؤلاء الولاية على النبوة والرسالة لأمور منها:-

1- ادعاؤُهم مقام الولاية يقتضِي الأخذَ عن الله تعالى بلا واسطةٍ، ومقامُ النُّبوةِ يقتضي الأخذَ عن الله تعالى بواسطة جبريل عليه السلام. يقول أبو المواهب الشاذلي: "النبوة تعطي الأخذ عن الله بواسطة الله، ومقام الرسالة يعطي تبليغ أمر الله لعباد الله، ومقام الولاية أخذُ عن الله بالله".([57]

 2- الولاية عندهم مختصةٌ بالعلمِ البَّاطنِ علم الحقيقة، الذي هوَ عندَهم أشرفُ العلومِ، وأمَّا النُّبوةُ فهي عندَهم مختصةٌ بعلمِ الظَّاهرِ، أو علمِ الشَّريعةِ، وهو أقلُّ قدراً - بزعمهم - من علم الحقيقة. يقول ابن عربي: "إذا رأيتَ النَّبيَّ يتكلمُ بكلامٍ خارجٍ عنِ التَّشريعِ، - كالفناءِ والجمعِ والفرق، وأمثال ذلك- فمن حيثُ هو وليٌ، ومقامُه من حيثُ هو وليٌ أكملُ من حيثُ هوَ رسولٌ، أو ذو تشريعٍ".([58]) ويقول محمد أبو المواهب الشافعي: "النبي مبين للعوام برسالته، ومبين للخواص بولايته".

3- اعتقادُهم أنَّ الولايةَ صلةٌ بين الوَليَ والله تعالى، والنُّبوةُ والرِّسالةُ صلةٌ بين النَّبِيِّ والرَّسولِ وبينَ النَّاس. يقول القاشاني: "مقامُ الولاية هي الجهةُ الحقانيَّةُ الأبديَةُ، ومقامُ النُّبوةِ هي الجهةُ التي بالنسبةِ إلى الخلق، لأنَّه يُنَبِّئُهم عن الله وآياته، فالجهةِ الحقانيَّةِ أعلَى من الجِهةِ الخَلْقيَّةِ".([59])

    ويذكر ابن عربي سببين آخرين لتفضيل الوَليِّ على النَّبِيِّ، هما:

- أحدهما: أنَّ الولايةَ هي الفلكُ المحيطُ العامُ، ولهذا لَمْ تَنقطع، ولها الأِنباءُ العامُ، وأمَّا نُبُوَّةُ التَّشريعِ والرِّسَالةِ فمنقطعةٌ.. وأنَّ الله لَطَفَ بعبادِه فأبْقَى لهم النُّبوةِ العامَّةَ التي لا تَشْريعَ فيها.

- وثانيهما: أنَّ الله لمْ يتسمَّ بنبيٍ ولا رسولٍ، وإنِّما تَسمَّى بالوليِ. واتصَفَ بهذا الاسم. فقال: )اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ) وقال: )وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ).([60]

     والحقُّ أنَّ تفضيلَ الصوفيَّةِ للوليِّ هو من جُملَةِ أَغلاطِهم وانحرافاتِهم في بابِ الاعتقاد، وهوَ مَبنيٌّ على أَوهَامٍ لا على حَقائقَ، فقد ظنَّوا أنَّ الوحيَّ الشيطانِيَّ النَّازلَ على أوليائهم وحياً رحمانياً، وتوهمُّوا أنَّ العلمَ بوحدةِ الوجودِ هو العلمُ الحقيقيُّ بالله تعالى، واعتقدوا أنَّ النُّبوةَ هي صلةٌ بين النَّبيِّ وأمُّتِه، وإنَّما هِيَ أولاً صلةٌ بينَ النَّبيِّ وربِّه، والرَّسولُ إذا خاطبَ الخلقَ وبلَّغهم الرِّسَالةَ لم يفارق الولاية، بلْ هوَ وليُّ الله في تلكَ الحَالِ، كمَا هو وليُّ الله في سائِرِ أَحوَالِه، ثمَّ إنَّ أفضلَ مَا عندَ الوَليِّ هو مَا يَأْخُذُهُ عن الرَّسولِ".([61]

 أربابُ المٌتصوِّفةِ كلٌ يَدَّعي أنَّه خاتمُ الأولياء:

1- محمد بن علي بن الحسن الترمذي‏ ويسمونه الحكيم:([62])‏‏

    لعلَّ الترمذي هذا أوَّلَ من زعمَ أنَّه خَاتمُ الأولياءٍ، وقد أَلَّفَ لهذا الغرضِ كتابًا سَمَّاه ‏(‏ختم الأولياء‏)، حيث عرضَ فيه دعوى ختم الأولياء، مُحرِّفًا لنصوصٍ من الكتابَ والسُّنَّةِ. ومدافعًا عنهَا، ومُهَاجِمًا لكلِّ من يَعترَضَ عليه.‏

    يقول في هذا الكتاب المذكور: "‏وما صفة ذلك الولي، الذي له إمامة الولاية ورياستها وختم الولاية‏؟‏.. ذلك من الأنبياء قريب، يكاد يلحقهم‏.‏ قال‏:‏ فأين مقامه‏؟‏ قال‏:‏ في أعلى منازل الأولياء، في ملك الفردانية، وقد انفرد في وحدانيته، ومناجاته كفاحًا في مجالس الملك، وهداياه من خزائن السعي‏.‏ قال‏: ‏وما خزائن السعي‏؟‏ قال‏:‏ إنما هي خزائن ثلاث‏:‏ خزائن المنن للأولياء، وخزائن السعي لهذا الإمام القائد، وخزائن القرب للأنبياء عليهم السلام، فهذا خاتم الأولياء مقامه من خزائن المنن، ومتناوله من خزائن القرب‏:‏ فهو في السعي أبدًا فمرتبته ههنا، ومتناوله من خزائن الأنبياء عليهم السلام، قد انكشف له الغطاء عن مقام الأولياء ومراتبهم وعطاياهم وتحفهم‏"‏.

    وقد تَدَرَّجَ التِّرمذِيُّ هذا في دعواه البَاطَلةِ ونشرِ عقيدتِه البَاطلَةِ بِتحريفِ النُّصوصِ القُرآنِيَّةِ والحديثيَّةِ، فزَعمَ أنَّ للأولياءِ البُشرَى في الحياةِ الدُنيِا مستدلًا بقولهِ تَعالى‏:‏ ‏(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) ‏‏يونس‏:‏62-64‏‏‏.‏ وأن الرسول بشَّرَ بعضَ أصحابِه بالجنة، وأنَّه صلَّى الله عليه وسلم قد أخبر البشرى باقية في الرؤيا..".([63])

      وقد بررَ الحكيم الترمذيُّ ضرورة وجود الأولياء ومنهم الوليَّ الخاتم فقال: "ثمَّ لمَّا قَبِضَ اللهُ عزَّوجلَّ نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم صيَّرَ في أُمَّتِه أَربعينَ صِدِّيقًا بِهِم تقومُ الأرضُ؛ وهم آل بيته، فكُلَّما ماتَ واحدٌ منهم، خلفَهُ مَنْ يقومُ مقامُه، حتَّى إذا انقرَضَ عددُهُم، وأَتَى وقتُ زوالِ الدُنيَا ابتعثَ اللهُ وليًا، اصطفًاهُ واجتباهُ، وقَرَّبَهُ وأَدْنَاهُ. وأعَطَاهُ مَا أعطَى الأولياءَ، وخصَّهُ بِخَاتَمِ الوِلايةِ. فيكونُ حُجَّةَ اللهِ يومَ القيامة على سائرِ الأَولياءِ، فَيوجَدُ عِندَه بذلك الخَتْمِ صدْقُ الوِلاية على سبيلِ ما وُجِدَ عندَ محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، مِنْ صِدْقِ النُّبوَّةِ. فلَمْ يَنلْهُ العدوُّ، ولا وَجدَت النَّفسُ سبيلاً إلى الأَخذِ بِحظِّها من الوِلاية. 

    ويضيفُ: "وأنَّ هذا الذي حصل عليه ذلك الوليُّ إنَّمَا كان باجتباءٍ من الله ومنةٍ منه، فهُوَ الذي جذبَه إليه، وأرادَ بِهِ ذلكِ‏. ثمَّ يسألُ التِرمذيُّ سؤالًا يجيبُ عنه وهو كيفَ تَقدَمَ الخَتمُ هذا الأولياءَ.. فيقول: ‏"‏قال‏:‏ فيم تقدم الأولياء واحتاجوا إليه‏؟‏ قال‏:‏ بأنْ أَعَطَي ختمَ الأولياءِ‏.‏ فبالخَتمِ تقدَّمَهُم، فصارَ حجَّةَ الله على أوليائه، وقد ذكرتُ في أَّوَّلِ الكتابِ سببَ الخَتْمِ‏.‏‏ ‏وهو‏‏ أنَّ النُّبوةَ أُعطِيَت الأنبياءُ عليهم السلامُ، ولم يُعطَوْا الخَتمَ فلم تخلَ تلك الحظوظُ من هنات النَّفسِّ ومشاركتها، وأعطي نَبيُنَا وخُتِمَت له نبوتُّه‏.‏ كالعهدِ الذي يُكتبُ ثم يختمُ، فلا يَصِلُ أحدٌ إلى أنْ يزيدَ فيه، ولا أنْ يَنقُصَ منه، وقدْ وَصَفْتُ شأَنَه فِيمَا تَقَدَّم"‏.‏([64])‏‏

     ويزعم الحكيم الترمذيُّ أنَّ هذا الوليُّ هو الأوَّلُ في كل شيء.. فيقول: "فلم يزل هذا الوليُّ مذكورًا في البِدْءِ: أولاً في الذِّكرِ، وأولاً في العلم: ثمَّ هو الأوَّلُ في المشيئة. ثم هو الأوَّلُ في المقادير، ثم هو الأوَّلُ اللوح المحفوظ. ثمَّ الأوَّلُ في الميثاق، ثمَّ الأوَّلُ في المحشر، ثمَّ الأوَّلُ في الخطاب، ثمَّ الأوَّلُ في الوفادة، ثمَّ الأوَّلُ في الشفاعة. ثم الأوَّلُ في الجوار، ثمَّ الأوَّلُ في دخول الدار، ثمَّ الأوَّلُ في الزيارة. فهو في كلِّ مكانٍ أوَّلُ الأَولياءِ! كمَا كَانَ محمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم أَوَّلَ الأنبياء! فهو من محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم عندَ الأِذنِ والأولياءِ عندَ القَفَا".‏([65])‏‏ 

2- ابن عربي الصوفي خاتم الأولياء:

   ويقول ابن عربي: "أما ختم الولاية المحمدية فهي لرجل من العرب من أكرمها أصلا ويدا وهو في زماننا اليوم موجود عرفت به سنة خمس وتسعين وخمسمائة ورأيت العلامة التي له قد أخفاها الحق فيه عن عيون عباده، وكشفها لي بمدينة فاس، حتى رأيت خاتم الولاية منه وهو خاتم النبوة المطلقة لا يعلمها كثير من الناس. وقد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه فيما يتحقق به من الحق في سره من العلم به. وكما أن الله ختم بمحمد صلى الله عليه وسلم نبوة الشرائع كذلك ختم الله بالختم المحمدي الولاية التي تحصل من الورث المحمدي. لا التي تحصل من سائر الأنبياء".([66]) ومن عجبٍ أنَّ ابن عربي لم يترك منصب (ختم الولاية) شاغرًا. وإنِّمَا بادرَ إلى ترشيحِ نفسِه له!! قائلاً: "فإنِّي أنَا الخَتْمُ، لا وليَّ بعدي ولا حاملَ لعهدي، بِفَقدِي تذهبُ الدُّولُ، وتلتحقُ الأُخرياتُ بالأُوَلِ".([67]) فقال في ديوانه الشعري- قصيدة- : (أنا المحيي لا أكنى ولا أتبلد).

أنَا المُحِيِ لاَ أكنى ولا أَتَبَلَّدُ ... أنَا العربيُّ الحاتميُّ محمدُ
  لكلِّ زَمانٍ وَاحدٌ هوَ عَينُه ....      وإنِّي ذاكَ الشَّخصُ في العَصْرِ أَوحَدُ
ومَا النَّاسُ إلاَّ واحدٌ بعد واحدٍ ...   حَرَامٌ على الأَدوَارِ شَخصانِ يُوجَدُ
أقابلُ عضَّاتِ الزَّمانِ بِهمَّةٍ ...  تَذِلُّ لها السَّبعُ الشِّدادُ وتخمدُ
مؤيِّدُنَا فيِه علَى كلِّ حَالةٍ ....    إِلَهُ السَّما وَهوَ النَّصيرُ المُؤيَّدُ
وما ذاكَ عن حقٍ ولكن عنايةً .... أَتَتَنِيَ وحُسَّاديَ تَرومُ وتَجهَدُ

    وادعى ابن عربي ختم الولاية صراحة، وزعم أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بَايَعَهُ على ذلك، وشَهِدَ ذلك قومٌ دونَه في الذِّكرٍ، فقال الزنديق في ديوانه الشعري بمنظومةٍ شعريَّةٍ له ([68]):

أنا في عباد الله روحٌ مُقدَّسٌ   كمثلِ الليالي روحُها ليلةُ القدر
تقدَّست عن وترٍ بشفعٍ لأنني     غريبٌ بمَا عندي عن الشفعِ والوَترِ
ولمَّا أتاني الحقُّ ليلاً مبشّراً      بأنَّي ختامُ الأمرِ في غرَّة الشَّهرِ
وقال لمن قد كان في الوقتِ حاضراً    من الملأ الأعلى ومن عالم الأمر
  ألا فانظروا فيه فإنَّ علامتي       على ختمِهِ في موضعِ الضَّربِ في الظَّهرِ
وأخفيتُه عن أعينِ الخلقِ رحمةً     بِهم للذي يُعطى الجحودَ من الكفر
أنا وارثُ لا شكَّ علمَ محمدٍ       وحالتُه في السرِّ مني وفي الجهرِ
ولستُ بمعصومٍ ولكن شهودُنا    هو العصمةُ الغرَّاء في الأَنجُمَ الزُّهرِ
ولستُ بمخلوفٍ لعصمةِ خالفي    من النَّاسِ فيمَا شاءَ منهُ على غمرِ
علمتُ الذي قلنَا ببلدةِ تونس      بأمرٍ إلهيٍ أَتاني في الذِّكرِ
أَتَانِيَ بهِ عامُ تسعينَ شَرِبنَا     بمنزلٍ تقديسٍ من الوَهمِ والفكرِ
ولمْ أدرِ أنِّي خاتَمٌ ومُعيَّنٌ      إلى أربعٍ منها بفاسٍ وفي بدرِ
أقام لي الحقُّ المبينُ يمينَه     بركبتِه والساقُ من حضرةِ الأمر
وبَايَعتُه عندَ اليَّمينِ بمكَةَ       وكان مَعِيَ قومٌ وليسوا على ذِكْرِي
إذا لَمْ أكنْ موسَى وعيسَى     ومثلَهم فَلستُ أُبَالِيَ أَنَّنِي جامعُ الأمرِ
فإنيِّ خَتمُ الأولياءِ محمدٌ ختامُ    اختصاصٍ في البداوةِ والحضرٍ
شهدتُ له بالملكِ قبلَ وجودِنا    على ما ترَاه العينُ في قَبضةِ الذرِّ

    وقد روت كتبُ الصُّوفيَّةِ بعضَ الأقاصيصِ المكذوبةِ لتخويفِ المنكرينِ على ابن عربي ضلالاتِه وكفريَاتِهِ، فزَعمُوا أنَّ رجلاً همَّ بإحراقِ قبرِه فخسَفَ اللهُ به الأرضَ، وغابَ فيها تسعةَ أَذرُعٍ.([69]) وأنَّ آخرَ رأَى يومَ القيامةِ وقدْ نُصِبِتْ أوانٌ في غاية الكبر، وأُغلِي فيها ماءٌ يتطايرُ منه الشُّررُ، وجيء بالمنكرين على ابن عربي وابن الفارض وأُلقُوا فيها، فَفُصِلَت جلودُهم حتَّى تَهرَّى الَّلحمُ".([70]

    وزَعمَ ابنُ عَربي أنَّ ما يُسَمِيَهُ "الحَقيقَةُ المُحَمَدِيَّةُ" أو "الرُّوحُ المُحَمَدِيُّ" هو أصلُ الحياةِ الرُّوحيَّةِ في الوجودِ والمَنبعِ الذي يَستَمِدُّ مِنْهُ الأنبياءُ والأولياءُ عُلومَهُم، أوْ الرُّوحُ الذي ظَهَرَ في صُورِ الأَنبياءِ والأَولياءِ من لَدُن آَدَم إلى النَّبيِّ مُحَمَّدٍ نفسِه، كمَا ظَهرَ في صُوَرِ الأَولياءِ منذُ وجِدَت الوِلايَةُ. فجميعُ الأَنبياءِ والأولياءِ صورٌ أو مجالٍ تَجلَّتْ فيها الحقيقةُ المُحمَّديَّةُ، أو الرُّوحُ المَحمديُّ، أو النُّورُ المُحمدِيُّ كما يُسَمِيَه أحيانًا، وليسَ خاتمُ الأولياء سِوَى مَجلَى من المَجَالي التِي لا تُحصَى لهذه الحقيقةِ.

      وقد أَثبتَ الصوفيُّ يوسف النبهاني رتبةَ (ختم الولاية) لابن عربي، ورَثَاه في قصيدةٍ، قال فيها:                     

            كان ختمًا للأَولياءِ تَبيعًا     بَهُدَاه لخاتمِ المُرسلينَ                     

            سَيِّدُ الخلقِ صفوةُ الحقِّ      من كلِّ البرَايَا ورحمةً العالمين. ([71]

    وقال الكشمخانلي: "والشيخُ الأكبرُ خُتِمَ بِه الولايةُ الخصوصيَّةُ".([72]) وزعمَ الشَّعرانِيُّ أنِّ ابنَ عربي من جُملةِ السُّعداءِ الذين همْ علَى يمينِ أدمَ في الجَنَّةِ!".([73]

3- محمد عثمان الميرغني خاتم الأولياء:

     وممَّن ادَّعى خَتمَ الولاية لنفسِهِ الصُّوفِيُّ محمد عثمان الميرغني السوداني المتوفى سنة 1268هـ والذي كان يقول عن نفسه: "من رَآنِيَ ومن رأى مَنْ رآَنِيَ إلى خمسةٍ لم تمسَّه النَّارُ: ولا حرَجَ على ذلك، فإنَّ الله يختصُّ برحمتِه من يشاء". وسمَّى نفسَه الخَتْمَ، أو خاتَم الأَولياء، وجعلَ هذا الاسمَ أيضاً عَلَمَاً على طريقتِه الصُّوفيَّةِ حيث أَسمَاهَا (الختمية) أي خاتمةُ الطُّرقِ جَميعاً!!

4- أحمد التجاني الفاسي خاتم الأولياء:

    وممَّن ادَّعى لنفسِهِ خَتْمَ الوِلايةِ أيضاً أحمدُ التِّجانِي الفاسيُّ المُتوفَى عام 1230هـ. وهذا التِجانِيُّ جاءَ ليكذِّبَ جميعَ الذين ادَعَوْا الخَتميَّةَ من قبلِهِ على ألفِ سنةٍ تقريباً.        

   فإذا كانَ أَوَلُ من ادِّعاها هو محمدٌ بن علي بن الحسن الترمذي المُسمَى بالحكيمِ، وكان ذلك في أواخرِ القرنِ الثالث الهجري فقد جاءَ التِجَانِي في القرن الثالث عشر ليُكذبَ جميعَ الذين ادَّعَوْا الخَتميَّةَ قبلَهُ وليزعمَ لنفسِهِ أنَّ الله قدْ خَتمَ الأولياءِ بِهِ حقاً وصدقاً، وأنَّ الرَّسولَ عليهِ السَّلام قدْ بَشَّرَه بذلك.([74]) وقال الشيخ التجاني‏:‏ وخصصت بعلوم بيني وبينه منه إلى مشافهة لا يعلمها إلاَّ الله عزَّ وجلَّ بلاَ وساطةٍ، وقال بكلِّ صراحةٍ‏:‏ أنَا سَيِّدُ الأولياءِ كمَا كانَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ سَيِّدُ الأُنبياءِ..".([75])

     وقال صاحب الرماح عن شيخه التجاني: "إنَّه خَاتمُ الأولياءِ وسَيِدُ العارفينَ، وإمامُ الصِّديقينَ، ومُمِدُّ الأقطابِ والأغواث، وأنَّه هو القطبُ المكتومُ والبرزخُ المحتومُ الذي هو الواسطة بين الأنبياء والأولياء، بحيث لا يتلقَّى واحدٌ من الأولياء مَنْ كَبُرَ شأنِهِ ومَنْ صَغُرَ فيضًا من حضرةِ نبيٍ إلاَّ بواسطته رضي الله عنه من حيث لا يشعر بذلك الوالي، وحيثُ كانَ الأمرُ هكذَا فإيَّاك أخيِ الإنكارَ على مثلَ هذَا السَّيِّدِ العظيمِ والإمامِ الأعظمِ الكريمِ، قد أَجمعَ أئمةُ الإسلام وجميعُ الأولياء والعارفين على أنَّ الاعتقادَ رِبحُ والإنكارَ خسرانٌ..". ([76])

     وقالَ عمرُ الفوتي التيجاني متحدثًا عن عقيدتهم في شيخهم التجاني: "إنَّ الله تعالى لمَّا ختمَ بمقامَه مقاماتَ الأولياءِ، ولَمْ يجعلْ فوقَ مقامَه إلاَّ مقاماتٍ الأنبياء، وجعلَه القُطبَ المَكتومَ، والبَرزَخَ المَختومَ، والخَاتَمَ المُحمَّدِيَّ المعلومَ...".([77])

    وقال محمد العربي السائح التيجاني: "فقد ثبتَ عنه من طريقِ الثِّقاتِ الأثباتِ من ملازميهِ وخاصَّتِه، أنَّه أَخـبرَ تصريحًا على الوَجهِ الذي لا يَحتَمِلُ التَّأويلَ أنَّ سَيِّدَ الوجود- يقصد رسول الله- أَخبرَهُ يقظةً بأنَّه هو الخَاتَمُ المُحمَّديُّ المعروفُ عندَ جميعِ الأقطابِ والصِّدِيقين، وبأنَّ مقامَه لا مقامَ فوقَهُ في بساطِ المعرفةِ بالله... وبالجملةِ فقدْ اجتمعَ على إثباتِ هذا المقامِ لشيخنَا رضيَ اللهُ عنه جميعُ من لاَزمَهُ إلى وفاتِه رضيَ الله عنه، ولَمْ يَختلفُ منهم اثنان فيه، حتَّى استفاضَ ذلك على ألسنةِ الخَـاصِ والعامِ من الأصحابِ والإخوانِ في سائرِ البُلدان، فلا يُلتَفَتُ لنفيِ مَنْ نَفَاهُ كائنًا مَنْ كَان".([78]

    وذكرَ صاحبُ كتاب بُغيةِ المُستفيدِ أنَّ شيخَ التِجانَيَّةِ لمَّا سَمِعَ مقالةَ الشَّيخِ عبدِ القَّادرِ الجيلاني، وهي: "قَدَمِي هذه على رقبةِ كلِّ وليِّ لله تعالى".. نَهَضَ وكان متكئًا، فاستوَى جالسًا، ومَدَّ رِجليْه، وقبضَ عليهما بِيِدِيِه، وقَالَ الشَّيخُ عَبْدُ القَادِرِ: قالَ ذلكَ في أَوْلِياءِ زَمَانِهِ، وأنَا أقولُ: "قَدَمَاي هاتانِ علَى رقبةِ كلِّ وليٍ لله تعالى من لَدُن آدمَ عليه السَّلامِ إلى النَّفخِ في الصُّورِ. وسَبَبُ ذلك كمَّا يقولُ أحدُ مُريديه وأَتبَاعُه: إنَّ جميعَ الكمَالاتِ، والكرَامَاتِ، والخصائصِ التي نَالَها أحدٌ من العارفين المُقرَّبينَ فقدْ أعطَاهَا الله تعالى لهذا الوَلِيِّ التِّجَاني، ومنهُ تَفيضُ على سائرِ أولياءِ الله تعالى من أجلِ ذلكَ خَضَعت لَهُ من جميعِ الأولياءِ الأعناقُ، وأذعنوا لمقامِه في عوالِمِ الغَيبِ بالإطباقِ، فَهُوَ القطبُ المكتومُ، وهو الواسطةُ بَيْنَ الأنبياءِ، والأولياءِ، فكُلُّ وليٍّ للهِ تَعَالَى مِنْ لَدُن آدمَ إلى النَّفخِ في الصُّورِ لا يَتَلقَّى فيضًا، ولا يَجِدُ مَدَدَاً من حضراتِ الأنبياءِ إلاَّ بواسطتِهِ من حيثُ لا يَشعُرون، ومَدَدُه الخَاصِ يَتَلقَّاهُ مِنْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، ولاَ اطلاعٍ لأحدٍ علَى فَيضِهَ الخَاصِ.([79])

5- الشيخ أحمد الرفاعي خاتم الأولياء:

     زَعمَ أتباعُ الطَّريقةِ الرِّفَاعيَّةِ أنَّ الشيخَ صهيب الدمشقي قال بأن الله "قد ختم بالشيخ أحمد الرفاعي الولاية كما ختم النبوة بمحمد".([80])

      وقد تَصدَّى شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله تعالى لهذِهِ المَزَاعِمِ، ومن ذلك قوله: "وكذَا خَاتَمِ الأَوْلِيَاءِ لَفْظٌ بَاطِلٌ لا أَصْلَ لَهُ. وَأَوَّلُ مَنْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ انْتَحَلَهُ طَائِفَةٌ كُلٌّ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ خَاتَمُ الأَوْلِيَاءِ: كَابْنِ عَرَبِيٍّ، وَبَعْضِ الشُّيُوخِ الضَّالِّينَ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ عليه السلام مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْبُهْتَانِ، وَكُلُّ ذَلِكَ طَمَعًا فِي رِيَاسَةِ خَاتَمِ الأَوْلِيَاءِ لَمَّا فَاتَتْهُمْ رِيَاسَةُ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَلِطُوا؛ فَإِنَّ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ إنَّمَا كَانَ أَفْضَلَهُمْ لِلأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ خَاتَمُ الأَوْلِيَاءِ، فَإِنَّ أَفْضَلَ أَوْلِيَاءِ هَذِهِ الأُمَّةُ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَخَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، ثُمَّ عُمَرُ رضي الله عنه ثُمَّ عُثْمَانُ رضي الله عنه، وَخَيْرُ قُرُونِهَا الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِ النَّبِيُّ عليه السلام ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَخَاتَمُ الأَوْلِيَاءِ فِي الْحَقِيقَةِ آخِرُ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ يَكُونُ فِي النَّاسِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخَيْرِ الأَوْلِيَاءِ، وَلا أَفْضَلِهِمْ، بَلْ خَيْرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه ثُمَّ عُمَرُ اللَّذَانِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلا غَرَبَتْ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ مِنْهُمَا".([81])

رابعًا: شطحات الصوفية في كرامات أوليائهم:

    إنَّ معظمَ مشايخِ الصٌّوفيَّةِ، وخاصةً شيوخ الطُّرقِ الصُّوفيَّةِ ثبتت عنهم عِدَّةُ شَطَحَاتٍ، وهي من الانحرافات والخرافات التي تُروَى في كتبِ الأَساطيرِ، ولا يشكُّ عاقلٌ أنَّها من تَلْبِيسَاتِ إبليس عليهم، ومنهَا قولُهُمْ بِرؤيَةِ النَّبيِّ صلَى الله عليه وسلَّم يقظة، وتلقِّي العلمَ منهُ، وتَلَقِي الشَّهادةَ منه عليه السلامُ لَهُم بمكانتهم العلمية، وصِدقِ مَا يكتبون، وتبشيرِهم بمقامِهم الرفيع ِعند الله تعالى. حتى غالى أحدُهم، فقال أبو العبَّاسِ عن نفسِه: "واللهِ لَوْ حُجِبَ عنِّي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم طرفةَ عينٍ ما عَدَدَتُ نفسيَ من المسلمين".([82])

    ومن خلال عرضنا لشطحات القوم سترد عدة نماذج من أقوالهم في هذه الشطحة الإبليسية.

1- شطحات كاهنُ الصُّوفيَّةِ الأكبرُ ابنُ عربي:

    يقول كاهنُ الصُّوفيَّةِ الأكبرُ ابنُ عربي: "فإنِّي رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم في مُبشِّرة أُرِيتُها في العشر الآخِر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسةِ دِمشق، وبيدِه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كتابُ، فقالَ لِيَ: هذا (كتابُ فُصوصِ الحِكَمِ) خُذْهُ واخرُجْ بِه إلى النَّاسِ يَنتَفِعُونَ به، فقلتُ: السَّمعُ والطَّاعةُ للهِ ولِرسولِه وأولِي الأمرِ منَّا كمَا أُمِرْنا. فحقَّقْتُ الأمنيَّةَ، وأَخلَصتُ النِيَّةَ، وجَرَّدْتُ القَصْدَ والهِمَّةَ إلى إبرازِ هذا الكتابِ، كمَا حَدَّهُ ليَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من غيرِ زِيادَةٍ ولا نُقْصَانٍ".([83])

2- من كرامات أحمد البدوي:  

     ذكرَ عبدُ الوَّهاب الشُّعراني في طبقاته الكبرى عَدَدًا من الكرَامَاتِ لشيخِهِ أحمدِ البَّدويِ شيخِ الطَّريقةِ البَدَوِيَّةِ، نُذكُرُ بعضًا منها:([84])

أ- "وسيدي أحمد البدوي رضي الله عنه يدعو الناس بنفسه إلى الحضور- أي حضور مولده هو-، ثمَّ قال: إنَّ سيدي الشيخ محمد السروي رضي الله تعالى عنه شيخي تخلف سنة عن الحضور، فعاتبه سيدي أحمد رضي الله عنه، وقال: موضع يحضر فيه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم والأنبياءُ عليهم الصلاةُ والسَّلامُ معه، وأصحابُهم، والأولياءُ رَضِيَ الله عنهم ما تحضرُه؟، فخرجَ الشيخُ محمدٌ رضِيَ اللهُ عنه إلى المَولِدِ فوجدَ النَّاس راجعين، وفاتَهُ الاجتماعَ، فكان يلمسُ ثيابَهم، ويمرُّ بها على وجهه".([85])

ب- وقدْ اجتمعتُ مرةً أنَا وأخي أبو العباس الحريثي رحمَهُ الله تعالى بولِيٍ من أولياءِ الهندِ بمصرِ المَحروسة. فقالَ رَضِيَ الله عنه: ضَيَّفونِي فإنِّي غريبٌ، وكان مَعهُ عشرةُ أَنفسِ، فَصَنَعتُ لهُ فَطِيرًا وعسلاً فَكُلْ، فَقُلْتُ لهُ من أيِّ البلادِ، فقالَ: من الهندِ، فقلتُ: ما حَاجَتَكَ في مصرَ؟ فقال: حضرَنَا مَوْلِدَ سيدي أحمد رضي الله عنه، فقلتُ له: متَى خَرجتَ من الهِندِ، فقالَ: خَرجنَا يومَ الثُّلاثاءِ، فَنِمْنَا ليلةَ الأربعاءِ عندَ سيِّدِ المرسلين صلَّى الله عليه وسلَّم، وليلَةَ الخميسِ عندَ الشَّيخِ عبدِ القادرِ ببغدادَ، وليلةَ الجُمعةِ عندَ سيدي أحمد رضي الله عنه بطنطا، فَتَعَجَبْنَا من ذلك، فقال: الدُنيَا كلُّها خطوةٍ عندَ أولياءِ اللهِ عزَّوجلَّ.

ج- واجتمعنَا بِهِ يومَ السَّبتِ انفضاضِ المولدِ طَلْعَةِ الشَّمسِ، فقلنَا لَهُمْ: مَنْ عَرفَّكُم بسيدي أحمد رضي الله عنه في بلادِ الهِندِ؟، فقالوا: يا للهَ العَجبُ أطفالُنَا الصغارُ لا يحلفونَ إلاَّ ببركةِ سيدِي أحمد رضي الله عنه، وهو من أَعظمِ إِيمَانِهم، وهلْ أحدٌ يَجهلُ سيدي أحمدَ رضِيَ الله عنه، إنَّ أولياءَ ما وراءَ البحرِ المُحِيطِ، وسائرِ البلادِ والجِبَالِ يَحْضُرُون مَولدَهُ رَضِيَ اللهُ عنْهُ.

د- وأَخبرني شيخُنا الشيخُ محمدٌ الشَنَّاوي رضي الله عنه أنَّ شخصًا أَنْكَرَ حضورَ مولدِه، فَسُلِبَ الإيمانُ، فلَمْ يَكُنْ فيه شَعرَةٌ تَحِنُّ إلى دِينِ الإِسلامِ، فاستغاثِ بسيدي أحمد رضي الله عنه فقال: والنِّساءِ، فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه: ذلك واقعٌ في الطَّواف، ولمْ يَمنعْ أحدٌ منه، ثمَّ قالَ: وعزَّةُ رَبِي مَا عَصَى أحدٌ في مولدي إلاَّ وتابَ وحَسُنَت توبتُه، وإذا كنتُ أرَعى الوُحوشَ والسَّمَكَ في البِّحار، وأَحميَهم من بعضِهم بعضًا أَفَيُعْجزني اللهُ عزَّوجلَّ عن حمايَةِ مَنْ يَحضرَ مَولِدِي".([86])

    يقولُ المَقريزىُّ عن الموالدِ الأَحمدَيَّةِ: "إنَّ فيها من الفسَادِ الذي لا يُوصَفُ حتَّى أنَّه وًجِدَ في إحدَى المَزارِعِ، عَقِبَ إحدَى الموالدِ مائةٌ وخمسون جرَّةِ خَمْرٍ فارغةٍ, سِوَى مَا حُكِيَ عن الزِّنَا واللُّواطِ."([87])

    ويقولُ الشَّعرانِيُ عن نَفسِه: "ولمَّا دَخلتُ بزوجتي فاطمة أمِّ عبدِ الرحمن وهي بِكْرٍ مَكَثْتُ خمسةَ شُهورٍ لمْ أَقرَبَ منهَا، فَجَاءَنِي وأَخذَنِي وهيَ مَعِيَ، وفَرَشَ لِيَ فِرَاشًا فوقَ رُكنِ القُبَّةِ على يسارِ الدَّاخلِ، وطَبَخَ ليَ حلوَى ودَعا الأحياءَ والأمواتَ، وقالَ: أَزِلْ بكارتَها هُنَا، فكَانَ الأمرُ تلكَ الليلَةِ".([88])

3 ربط الصَّوفيَّة المبتدعة أَرزاقَ النَّاسِ ورقابَهم بمَا يزعمون أنَّهُم أولياءُ:-

أ- فهذا موسى بن مهيم المرديني يقول عنه النَّبهاني في كتابه (جامع كرامات الأولياء) وقع بماردين حريقٌ فاحشٌ وفشا في البلد وعَظُمَ أمرُه, فاستغاثوا بالشيخ موسى رحمه الله فَأَمرَهُم بإلقاءِ عُكَّازه في النَّار، فانطفأَت كأنْ لَمْ تَكُنْ، فَقَالَ" :إنَّ الله وَعَدَني ألاَّ يَحترِقَ بالنَّارِ مَا مسَّتهُ يدِي! فأيُّ إنسانٍ يَضَعُ يدَه عليهِ فإنَّه يعتبرُ نفسَه عتيقًا من النَّارِ! وهذا رجلٌ منهُم اسمُه أبو بكر بن أبي القاسم رُوِيَ عنهُ أنَّه قالَ: مَنْ رَآَنِيَ ورَأَيْتُه دَخَلَ الجَنَّةَ! حتَّى وإنْ كانَ يَهوديًا أو نَصرَانِيًا".

ب- وهذا ما وردَ من آدابِ المريد مع شيخِهِ حسب الطريقة الصوفية العلاوية: "أنْ يُوَقِّرَ شيخَه ويُعَظِّمَه ظَاهراً وبَاطِناً، ولا يعترضَ عليه فيمَا يَفْعَلُه، ولا يُؤوِّلَ ما خَفِيَ عليه، وأنْ يُسلِّمَ له، ولا يقولُ لشيخِهِ لِمَ فَعلَتَ كَذَا، لأنَّ من قالَ لشيخِه لِمَ: لا يُفْلحُ أَبدَاً، وأنْ يُقُدِّمَه على غيرِه، ولا يلتجِي لِسِوَاه حتَّى يتمَّ شربُه من كأسِ أُستاذِه، وأنْ يكونَ راضيًا بِتَصرُّفِ الأستاذِ في أُمُورِه، مُنقَاداً له مُسلِمًا لأوامره، مبادراً لامتثاله بلا إهمالٍ ولا تأويلٍ، وأنْ يَحفظَ المريدُ شيخَه في غيبتِه كحفظِه في حضورهِ، وأنْ يُلاَحظُهُ بقلبِه في جميعِ أُمورِه سفراً وحضوراً، حتَّى يكونَ له حظُّ الاقتداءِ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنْ يَرَى كلَّ شيءٍ حَصَلَ له من بركاتِ الدُنيَا والآخرةِ بِسَبَبِ شَيخِهِ الذي رَبطَهُ بالطَّريقَّةِ، ولا يَتَجَسَّسَ على أحوالِ شيخِهِ من عبادةٍ أو عادةٍ، فإنَّ في ذلكَ هلَاكه، وأنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِهِ في كلِّ حالٍ، وأنْ يُقَدِّمَ مَحبَّةَ شيخِه، حتَّى تَحصُلَ لَه مُحبَّةُ الله، وأنْ لا يُعاشرُ من كان يكره أستاذَه ، وأنْ يُحبَّ من أَحبَّه، وأنْ يَصبرَ على جفوتِه وإعراضِه عنه، ولا يقولُ لماذَا يُحبُّ فلان ولا يُحبني، وأنْ لاَ يَجلِسَ في مكانِ شيخِهِ، وأنْ لاَ يُلِحَّ على شيخِهِ في أيِّ أمرِ كانَ، وأنْ لاَ يُسَافرَ ولا يَتَزَوَّجَ إلاَّ بإذنِه. ولا يفعلُ أمراً من الأمور المهمة إلا بإذنه وأن يكون مسلماً له في أمورِه..".([89])  

- ومن أهم الآداب مع الشيخ : أنْ تَتَخيَّلَهُ دائمًا وكأنَّه أمامُكَ، وخاصة عند الذِّكرِ وهذا من أهمِّ المقامَات، ويُسَمٌّونَه بـمقامِ الرَّابطةِ، أي الرَّابطةُ بينَ المُريدِ والشَّيخِ. ومن لمْ يَتَخَيَّلْ صورةَ شيخِهِ فلاَ تَتِمْ له الرَّابطةُ، ولا يَحصُلُ له مطلوبُه".([90])  

- ومن الآداب تقبيل يد الشيخ ثم رجله، ثم... فهو من أحسن التعظيم".([91])  

- ومنها ألاَّ يُنكرُ عليه ما ظَهَرَ منه من صُنعة عَيب، فلرُبَّمَا يَظهرُ من الشَّيخَ مَا لا يَعلَمُه المريدُ، ويكون مرادُ الشَّيخِ بذلكَ امتحانُه، كمَا وَقَعَ لِبعضِهم أنَّه دَخلَ على شيخَه فرأَى عندَهُ امرأةً جميلةً يُلاعبُها ويُعانقُها ويجامُعها، فخرجَ مُنكِرًا على شيخِهِ فَأَخذَ منه الشَّيخُ جميعَ ما استفادَهُ منه، ومع ذلكَ فالمرأةُ لكُ تَكُن سِوَى امرأةِ الشَّيخَ، وزوجتُه جعلَها الشَّيخُ امتحانًا للمُرِيدِ".([92])  

- الترويج للطريقة الشاذلية باختراع كرامات هي أقرب للشطحات المضحكة.

أ- ينقلُ الدكتور عبد الحليم محمود عن (درَّة الأسرار وتحفة الأبرار في أقوال وأفعال وأحوال ومقامات ونسب وكرامات وأذكار ودعوات سيدي أبو الحسن الشاذلي): "لمَّا قَدِمَ المدينةَ – أبو الحسن الشاذلي- زادَها الله تشريفًا وتعظيمًا، وقفَ على بابِ الحرمِ من أَوَّلِ النَّهارِ إلى نصفه عريان الرَّأس.. حافي القَدَمين، يستأذنُ على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فَسُئِلَ عن ذلك؟ فقال: حتَّى يُؤذَنَ لي، فإنَّ الله عزَّوجلَّ يقول: (يَا أيُّها الذينَ آمَنُوا لا تَدْخُلوا بيوتَ النَّبِي إلاَّ أنْ يُؤذَنَ لَكُم) فَسَمِعَ النِّدَاءَ من داخل الرَّوضَةِ الشريفة، على ساكنِها أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ: يَا عَلِيٌّ، ادْخُلْ".([93])

   وهذا مُخالفٌ للعقيدِةِ. ويقولُ عن نَفسِهِ: "لولاَ لجامُ الشَّريعةِ على لِسَانِيَ لأخبرتُكُم بمَا يكونُ في غَدٍ وبَعدَ غدٍ إلى يومٍ القيامة".([94]) وهذا قولٌ فاسدٌ يُكفَّرُ صاحبُه لأنَّه ادِّعاءٌ لعلمِ الغيبِ وشركٌ باللهِ تَعَاَلى.

ب- ومن الكرامات الشطحات ما ذكره زكي الدين الأسواني، قالَ: "قالَ ليَ الشَّيخُ أبو الحَسَنِ – الشاذلي- رضيِ الله عنه: يا زكي، عليك بأبي العباس، فواللهِ إنَّه ليأتيَه البَدَويُّ يبولُ على سَاقَيْهَ فلاَ يُمسِيَ عليه المساءُ إلاَّ قدْ أَوصلَه إلى الله، يَا زكي، عليك بأبي العباس فوالله ما مِنْ وليٍ لله كَانَ أو هُوَ كائن إلاَّ وقد أَطلَعَهُ اللهُ عليه، يا زكي، أبو العبَّاسِ هُوَ الرَّجلُ الكاملُ".([95])

ج- ومنها: أنَّ أبَا الحَسنِ الشَّاذلي: يختارُ تلاميذَه من اللَّوحِ المَحفوظَ في عالمَ الغَيبَ، ولا زَالَت روُحه تُرَبِّيهم بعينِ العِنَايةِ، وتَحرُسُهم بأنوارِ السَّعادِة في عالمِ الأشباحِ إلَى أنْ يَعودوا إلى عالمِ الغَيبِ، إلى أنْ يَعودوا إلى عالمِ الأرواحِ، والتَّربيَّةَ الأولى كانت بروحِه، والتَّربيَّةُ الثانيةُ كانت بأنوارِه الرَّبَانِيَّةِ وأسرارِه الجبروتية وخلافته المعنوية التي لاَ تَنْقَطِعُ إلى يومِ القيامةِ.([96])

ه- يقول يوسف النبهاني في ترجمة شيخه أحمد بن إدريس: "إنَّ الله خصه بالمواهب المحمدية والعلوم اللدنية, والاجتماعات الصورية الكمالية بالنبي صلى الله عليه وسلم, والأخذ والتلقي منه، حتى لقَّنَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنفسه أورادَ الطريقة الشاذلية".([97])

و- من كرامات خليفة أبي الحسن الشَّاذِليِ: أحمد بن عمر المرسي أبو العباس شهاب الدين: قال عن نفسِهِ: "واللهِ لو حُجِبَ عنِّي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم طُرفَةَ عينٍ مَا عَدَدتُ نَفسِيَ من المسلمين".([98])

ز- ومنها: أنَّ الشَّيخَ أبو العباس المرسي، والذي صارَ قُطبًا بعدَ موتَه حسبَ زَعمِهِم، كمَا يَنقلون عن زكي الدين الأسواني أنَّه قالَ: "قالَ لي الشيخُ أبو الحسن رضي الله عنه: يا زكي، عليك بأبي العباس، فو الله أنه ليأتيه البدوي يبولُ على ساقيهِ فلا يُمسِي عليه المساءُ إلاَّ قد أوصله إلى الله، يا زكي، عليك بأبي العباس، فو الله ما من وليٍ لله كان أو هو كائن إلاَّ وقد أطلعه الله عليه، يا زكي، أبو العباس هو الرجل الكامل".([99])

ح- ومنها: ما يقولُ أبو العبَّاسِ عن نفسِه: "واللهِ لَوْ حُجِبَ عنِّي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم طرفةَ عينٍ ما عَدَدَتُ نفسيَ من المسلمين".([100])

ي- وكان يقولُ نفسِه: "لا أعلمُ أحدًا اليومَ يَتكلَّمُ في هذا العلمِ غَيري على وجهِ الأرضِ"،  وقدَّمَ إليه بعضُهم طعامًا فيه شبهةٌ يَمتَحِنَهً، فامتنعَ الشَّيخُ من أكلِه، وقال: "إنَّه كانَ للشِّيخ المُحَاسِبيِّ عرقٌ في أُصبَعِهِ يُضْرَبُ إذا مدَّ يدَه إلى شبهةٍ، فأنَا في يدي سُتونَ عِرْقًا تُضْرَبُ، فاستغربَ الرَّجلً، وتابَ على يَدَيْهِ".([101])

ك- ومن الشَّطَحاتِ مَمَّا يذكَرُ عن الشَّاذليَّةِ الغلوُّ في شيخهم أبي الحسن الشاذلي، وشيوخهم الآخرين، حتى أوصلوا بعضُهم إلى مَرتبةَ الرُّبوبيَّة، فقد قالوا إنَّ مقامَ الشَّاذلي هو عندَ العَرشِ، وأنَّ الله كلَّمَهُ في جبلِ زَغوان، الذي اعتكفَ فيه. وزَعموا أنَّه مَا مِنْ كَائنٍ أو وليٍ لله إلاَّ وأطلعَ اللهُ شيخَهم أبَا العباس المرسي عليه، وعلى اسمِه ونسبِه، وكَمْ حظِّه من الله. ([102])

1- ومنها: قولُهُ عَنْ نَفْسِهِ لمَّا سَأَلوهُ مَنْ أُستَاذكَ: "كنتُ انتسبُ إلى الشَّيخِ عبد السلام بن مشيش، وأنَا الآنَ لا انتسبُ لأحدٍ، بلْ أعومُ في عشرةِ أَبحرٍ: خمسةٌ من الآدميين، النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وخمسةٌ من الرَّوحانيين، وجبريلُ وميكائيلُ، وإسرافيلُ، وعزرائيلُ، والرُّوحُ الأكبرُ".([103])

2- زعم أتباع هذه الطريقة لشيخهم الشاذلي وشيوخهم الآخرين كرامات تفوق الخيال، كما هي عادة جميع فرق التصوف: فقد زعموا أن الذين يتبعون هذه الطريقة لا يدخلون النار، مستندين إلى قول الشاذلي: "أعطيت سجلاً مدَّ البصرَ فيه أصحابي، وأصحاب أصحابي إلى يوم القيامة عتقاء من النار".([104])

3- أن كبير قضاة تونس ابن البراء كان مخالفاً للشاذلي، وقد شكاه إلى حاكمها، لكن الحاكم لم يمس الشاذلي بسوء، إلاّ أنه منعه من الخروج، وما أن منعه إلاّ وماتت جاريته في ذاك الوقت، ثمَّ احترق البيت دون أن يشعروا، فعلم الحاكم أنه أصيب من قبل هذا الولي المزعوم.([105])

- إن معراج الصوفية, وخرقهم السموات, ومكالمتهم الربّ, ومخاطبته إياهم جائز شرعا ونقلا, وهو المنقول عن الشاذلي, وابن عطاء الله السكندري في لطائف المنن, ومحمد السنوسي في كبراه, والشيخ عبد الباقي وغيرهم.([106])

   والغريب في هذه الكرامة المزعومة أن القاضي ابن البراء لم يصب بسوء، رغم أنه هو الذي عادى الشاذلي!! مع أنه المخالف للشاذلي ومن شكاه للحاكم!!!.

4- شطحات أحمد العلاوي شيخ الطريقة العلاوية:

     زعمَ شيخُ الطَّريقةِ العلاَّوِيَّةِ أحمدُ بن مصطفى بن عليوة إنَّ العَارفَ الصُّوفيَّ يَأخُذُ العلمَ عن الله مباشرةً، ولا توجَدُ واسطةٌ بينَه وبينَ الله في تَلَقِّي العلمَ، أي لا يتلقى العلم على أيدي العلماء كغيرهِ من علماءِ المسلمين. فقال" :قلبُ العَارفِ لا يزولُ اضطرارُهُ، ولا يكونَ مع غير الله قرارُه، فلا يستأنسُ إلاَّ بالله، فهوَ معَ اللهِ حيثُ كانَ، فَيسمَعُ منه، ويبلِّغ عنه، ويتكلَمُ به. كانَ يقولُ بعضُ العارفين :قالَ لي قَلْبِيِ عنْ رَبِّي، وذلك لصفائِه، لأنَّ القلبَ إذا كان منورًا فارغًا من وجود الغيرِ، لا تبقى له واسطةٌ بينه وبين رَبِّهِ، فيحدِّثُه في سِرِّه حديثًا تَعجزُ عن إدراكه العقولُ ... وإذا كانَ القلبُ من هذا القبيل، فلا جرمَ المرشدُ والمجدِّدُ يُجَدِّدُ النَّشاطَ الإيمَانِي ويَربِطُ قلوبَ النَّاسِ بهِ حتَّى يُوصِلُها بِنورِ سيِّدَنا مُحمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم".([107])

   إنَّ الشيخ أحمد العلاوي صاحبُ عقيدةٍ فاسدةٍ في بَابِ التَّوحيدِ: فَمِنْ أقوالُه في ذلك:

- الحقُّ سبحانَه لا يَثبتُ معَهُ سُواه، لأنَّه مجردُ وهمٍ، ولا وجودَ له في الحقيقة، إنَّما هو عند العارفين كعنقاء مغرب، لا تَسمَعُ، ولا تَرَى".([108])

- أبعد الناس عن ربّهم أشدهم مبالغة في التنزيه، ليس الشأن أن تبالغ في التنزيه، إنّما الشأن أن تعرفه في التشبيه، التشبيه مع اليقين في التوحيد خير من التنزيه مع الحجاب عن التوحيد...

- من عرف الله بالدليل، فهو يقول بالتعطيل، ولم يشعر.([109])

- ومن شطحات الشيخ أحمد العلاوي: قال شعرًا في مدح نفسِهِ، وفي ذكرِ مدَدِ الله تعالى له:  والله لقد قالا بأفصح المقالا        نصرناك في الملأ أنت في أمان الله

بشرني روح الأستاذ البوزيدي عين المدد    نصرناك في الملا أنت في أمان الله

محبكم في أمان مريكم في ضمان       أنتم عيون الرحمان بيدكم سر الله

بيدِكُم المنشور لكم تُرفَعُ السُّتورُ       أنتُم أربابُ الحضور أنتُم أولياءُ الله([110])

5- من كرامات محمد بن أحمد البزليتني التونسي ثمّ القاهري المالكي الشاذلي:

   "أنه كان كثيرَ الرؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام، حتَّى كأنَّه لا يفارقه, وكان يقول: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ النَّاسَ يُكَّذبونِي في صحةِ رؤيَتي لكَ, فقال: وعزَّةُ الله وعظمتُه من لم يؤمن بها أو كذَّبكَ فيها؛ لا يموتُ إلاَّ يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً!".

6- من كرامات الشيخ محيي الدّين عبد القادر الجيلاني:

     قال عبد الفادر الجيلاني: "أعطيت سجلاً مد البصر فيه أسماء أصحابي ومريدي إلى يوم القيامة، وقيل لي: قد وهبوا لك، وسألت مالكاً خازن النار، هل عندك من أصحابي أحد فقال: لا. وعزّة ربّي وجلاله! إنَّ يدي على مريدي كالسَّماءِ على الأرضِ إنْ لَمْ يَكُن مريدي جيداً فأنَا جيدٌ وعزة ربّي وجلاله! لا بَرَحت قدَمَاي من بين يدي ربّي حتّى ينطلقَ بِي وبِكُم إلى الجَنَّةِ". وكان عبد القادر الجيلاني يقول: "من انتمَى إليَّ وتسمَّى لي قَبِلَهُ الله تعالى وتَابَ عليه، وإنْ كانَ على سبيلٍ مكروهٍ، وهو من جُملَةِ أصحابي، وإنّ ربَّي عزّ وجلّ وَعَدَنِيَ أنْ يُدْخلَ أصحَابِيَ ومذهبِـيَ وكلَّ مُحبٍّ ليَ الجَنَّةَ".([111])

      ومن كرامات عبد القادر الجيلاني قتاله لصفوف من الشياطين وانتصاره عليهم، قال: "الشيخ محيي الدين عبد القادر الجيلي رحمه الله تعالى: كنت أجلس في الحرب بالليل والنهار، ولا آوي إلى بغداد، وكانت الشياطين تأتينـي صفوفاً، صفوفاً، وركباناً بأنواع السلاح، وأزعج الصور، يقاتلوننـي ويرموننـي بشهب النار، فأجد في قلبي تثبيتاً لا يعبر عنه، وأسمع مخاطباً من باطنـي يقول لي: قم إليهم يا عبد القادر! فقد ثبتناك، وأيدناك بنصرنا، فما هو إلاّ أن أنهض إليهم فيفرّون منّي يميناً وشمالاً، ويذهبون من حيث أتوا، وكان يأتيني الشيطان منهم وحده، ويقول لي: اذهب من هنا، وإلاّ فعلت وفعلت، بل يحذرني تحذيراً كثيراً، فألطمه بيدي فيفرّ منّي، فأقول: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم فيحترق وأنا أنظر".([112])

 7- من كرامات شيخ الطريقة التِّجانية:

أ- قال الشيخُ التِّجاني: "إنَّ مقامَنَا عندَ الله في الآخرةِ لاَ يَصلُهُ أحدٌ من الأولياء، ولا يقارِبُه من كَبُرَ شأنُه ولا من صَغُرَ، وإنَّ جميعَ الأولياء من الصَّحابةَ إلى النَّفخَ في الصُّورِ ليس فيه من يَصلُ مقامَنَا".([113]) وزادَ في موضعٍ آخرَ: "ولا يقاربُه لبعدِ مرامِه عن جميعِ العقولِ وصُعوبةِ مسلكِه على أكابرِ الفُّحولِ".([114]) وقال: "قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ الصور".([115]) وقال: "وليسَ لأحدٍ من الرِّجَالِ أنْ يُدْخِلَ كافَّةِ أصحابِه الجَنَّةَ بغيرِ حسابٍ ولا عقابٍ، ولو عَمِلوا من الذُّنوبِ ما عَمِلِوا وبَلَغوا من المَعَاصيَ ما بَلَغوا إلاَّ أنَا وَحدِيَ".([116])

  ب- وقال التِّجاني: "وهذا غاية إدراك النبيين والمرسلين والأقطاب يصلون إلى هذا المحل ويقفون، ثمَّ استأثرتُ بألباسٍ من الأنوارٍ الإلهيَّةِ الأخرى، وبها سُمِّيتُ عَقلاً ثمَّ استأثرتُ بألبَاسٍ من الأنوار الإلهيَّة الأخرى فسُمِيتُ بسبِبِها قلبًا، ثمَّ استأثرتُ بألباسٍ عن الأنوارِ الإلهيَّةِ الأخرى، فَسُمِّيتُ بسبِبِها نفسًا".([117]) وقال التَّجاني:" "قال لي صلَّى الله عليه وسلَّم لكَ في الجَنَّةِ أربعونَ مَقامًا من مَقَامَاتِ الأَنبياءِ".([118])

ج- ادَّعَى أحمدُ التجاني بأنَّه التقَى بالنَّبِي صلَّى الله عليه وسلَّم لقاءً حسيًّا ماديًّا، وأنَّه قدْ كَلَّمَهُ مشافهةً، وأنَّه تعلَّمَ من النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلاةَ الفاتحِ لِمَا أُغلِقَ.

    وقال الصوفي علي حرازم:" وأخبره صلَّى الله عليه وسلَّم بقولِه عليه الصلاةُ السَّلامُ: بعزَّةِ رَبِي يوم الاثنين ويوم الجمعة؛ لَمْ أُفَارِقُكَ فيهما من الفجرِ إلى الغروبِ، ومَعِيَ سبعةٌ أَملاكٍ، وكلُّ من يَراكَ في اليومين يَكتُبُ الملائكةُ اسمَه في رُقْعَةٍ من ذَهبٍ، ويكتبونّهُ من أهلِ الجَّنَّةِ".([119])

-  قال في جواهر المعاني: "قال رضي الله عنه: أخبرني سَيدُ الوجـود يقظةً لا منامًا، قال لي: أنتَ مـن الآمنين".([120])  وقال في الرماح: "ولا يَكْمُلَ العبدُ في مقامِ العرفان حتَّى يصيرُ يَجتَمعُ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقظةً ومشافهةً..".([121])

 - وقال في الدرة الخريدة: "وأمَّا الذي هو أفضلُ وأعزُّ من دخولِ الجَنَّةِ فهوَ رؤيةُ سَيدِ الوجودِ صلَّى الله عليه وسلَّم في اليقظةِ، فَيرَاهُ الوَليُّ اليومَ كمَا يرَاه الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهُم، فَهِيَ أَفضلُ مَنْ الجَنَّةِ".([122])

8- من شطحات مشايخ الطريقة الختمية:

 - ادعى مشايخ الطريقة الختمية بأنهم لقوا الرسول صلى الله عليه وسلم ورأوه يقظة عياناً، وأنه يحضر احتفالاتهم بمولده صلى الله عليه وسلم، وأنهم تلقوا منه أسس الطريقة وأورادها وتعاليمها. قال علي حرازم بن العربي براده المغربي الفاسي مخبرًا عن كرامةٍ لشيخه أحمد التجاني شيخ الطريقة التيجانية: أنَّه رأَىَ النَّبيَّ عليه السلام يقظةً لا منَامًا، وأنَّه قالَ له: كلُّ من أَحسنَ عليك بخدمةٍ أو غيرها، وكلُّ منْ أَطعمَكَ يَدخلونَ الجَنَّةَ بلا حسابٍ ولا عقابٍ،  فَسأَلتُه لكلٍ من أَحبَّنِي، ولكلِّ مـَــنْ أَحسنَ لي بشيءٍ ومن أطعمني طعامَه كُلُّهم يدخلونَ الجَنةَ بغيرِ حسابٍ ولا عقابٍ. وسأَلتُه لكلِّ من أخذَ عليَّ ذكرًا، أنْ يَغفرَ لَهُم ذنوبَهم ما تَقدَّم منها وما تأخَّر، وأنْ يَرفعَ اللهُ عنهم محاسبتَه على كلِّ شيءٍ، وأنْ يكونوا آمنينَ من عذابِ الله من الموتِ إلى دخولِ الجّنَّةِ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم - بحسب ما نقول- ضمنتُ لهم هذا ضمانةً لا تَنقَطِعُ حتَّى تجاورنِي أنتَ وهُمْ في عِلِيِّينْ.([123])

      ومعلوم بطلان هذه الدعاوي الصوفية، فقد قال الحافظ السخاوي في رؤية النبي صلى الله عليه وآله في اليقظة بعد موته: "لمْ يصلُ إلينا ذلك، أي ادِّعاءُ وقوعهَا عن أحدٍ من الصَّحابةِ ولاَ عمَّن بَعدَهم، وقد اشتدَّ حُزنُ فاطمةَ عليه‏ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى مَاتَتْ كَمدًا بَعدَه بستةِ أشهرٍ على الصَّحيحِ وبَيتُها مجاورٌ لضريحِهِ الشَّريفِ ولَمْ يُنقلْ عنهَا رؤيتُه في المُدَّةِ التي تأخرَّتْهَا عَنْهُ".([124]) وأيضاً ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني: "أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة أنَّهم رَأَوْا النَّبيَّ في المنام، ثمَّ رَأَوهُ بعدَ ذلك في اليقظةِ وسأَلُوه عن أشياءَ كانوا منَها مُتَخوفينَ، فَأَرْشَدَهم إلى طريقِ تفريجِهَا فجاءَ الأمرُ كذلك"، ثمَّ تَعَقَّبَ الحافظُ ذلك بقولِه: "وهذا مُشْكِلٌ جدًا، ولو حُمِلَ على ظاهرِه لكانَ هؤلاء صحابةً، ولأمْكَنَ بقاءُ الصُّحبةِ إلى يومِ القيامةِ، ويُعَكَّرُ عليه أنَّ جَمعًا جمًا رَأَوْهُ في المنام، ثمَّ لَمْ يَذكر واحدٌ مِنهُم أَنَّه رَآَهُ في اليَقظةِ، وخَبرُ الصَّادقِ لا يَتَخَلَّفُ".([125])

9- من شطحات مؤسس الطريقة الميرغنية:

     ادَّعى محمدٌ عثمان بن محمد أبي بكرٍ بن عبدٍ الله الميرغني مُؤسِّسُ الطَّريقةَ أنَّه وضعَ راتِبَه بإذِنٍ من الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّه هو الذي أمرَه بِتصنيفِ المَولدِ، وأنْ يَجعلَ إحدَى قافيتِه هاء والأُخرَى نُونًا، وبشَّرَهُ بأنَّه يَحضرُ قراءتَه، وأنَّ الدُّعاءَ عندَه مُستجابٌ في ختمِه وعند ذكرِ ولادتِه صلَّى الله عليه وسلَّم. كما يزعم أيضًا أنَّ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم أوصَى رَضوانَ بأنْ يُعمِّرَ جِنانًا ومساكنَ، له ولأبنائِه وصحبِهِ وأَتبَاعِهِ وأَتبَاع أَتبَاعِه إلى يومِ القيامة، وأمرَ مالكًا بأنْ يُعمِّرَ في النَّارِ مواضعَ لأعدائِهِ.

10- من كرامات شيخ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّة: قال أحمد الرفاعي عن نفسه: "أعَلَمُ أنِّي لمَّا دُعِيتُ إلى هذَا الأمرَ حُمِلْتُ إلى قبلةِ هذا البلدِ، وشقَّ صدري ملكٌ منَ الملائكةَ المُقرَّبين، فأَخرَج منه شيئُا مُظلمًا، وغَسَلَهُ بماءِ الحيواتِ من الرِّياءِ وسوءِ الخُلُقِ، وكلَّ ما كانَ للشَّيطان فيه نصيبٌ، كلُّ ذلكَ وأنَا انظرُ بعيني، كمَا فُعِلَ بِرَسولِ الله..". ([126])

 

 

 

 

 

 

                                                              الفهرست

                                                   

المقدمة: 2

الهدف من البحث: 2

الأول: اعتقاد الصوفية ألوهية أوليائهم: 3

الثاني: اعتقاد الصوفية مشاركة الأولياء الله في أسمائه وصفاته: 7

الثالث: تفضيل الصُّوفيَّة الولاية على النُّبوَّة: 10

أربابُ المٌتصوِّفةِ كلٌ يَدَّعي أنَّه خاتمُ الأولياء: 14

1- محمد بن علي بن الحسن الترمذي‏ ويسمونه الحكيم:()‏‏ 14

2- ابن عربي الصوفي خاتم الأولياء: 16

3- محمد عثمان الميرغني خاتم الأولياء: 18

4- أحمد التجاني الفاسي خاتم الأولياء: 18

5- الشيخ أحمد الرفاعي خاتم الأولياء: 19

رابعًا: شطحات الصوفية في كرامات أوليائهم: 20

1- شطحات كاهنُ الصُّوفيَّةِ الأكبرُ ابنُ عربي: 20

2- من كرامات أحمد البدوي: 21

3 ربط الصَّوفيَّة المبتدعة أَرزاقَ النَّاسِ ورقابَهم بمَا يزعمون أنَّهُم أولياءُ:-. 22

- الترويج للطريقة الشاذلية باختراع كرامات هي أقرب للشطحات المضحكة. 23

4- شطحات أحمد العلاوي شيخ الطريقة العلاوية: 26

5- من كرامات محمد بن أحمد البزليتني التونسي ثمّ القاهري المالكي الشاذلي: 27

6- من كرامات الشيخ محيي الدّين عبد القادر الجيلاني: 27

7- من كرامات شيخ الطريقة التِّجانية: 28

8- من شطحات مشايخ الطريقة الختمية: 29

9- من شطحات مؤسس الطريقة الميرغنية: 30

الفهرست. 31

 

 

 



-[1]  طبقات الشعراني 1/143، قلادة الجواهر 147-148.

-[2] جامع كرامات الأولياء: يوسف النبهاني 1/40-49.

-[3]  جامع أصول في الأولياء وأنواعهم: الكشمخانليُّ ص 133.

-[4]  الرسالة القشيرية 160-171.

-[5] جواهر المعاني 2/81، انظر معجم ألفاظ الصوفية ص235.

-[6] بغية المستفيد ص186.

-[7] انظر: قلادة الجواهر لمحمد أبي الهدى الصيادي ص282.

[8]- هو علي بن محمد بن محمد بن وفا بن النجم محمد، أبو الحسن السكندري الأصل المصري الشاذلي الصوفي المالكي، أحد رجال الطريقة الشاذلية ذكره ابن عجيبة في أيقاظ الهمم  ص 14، طبعة دار الخير، فهو أحد الرجال الذي يمر به إسناد الطريقة الشاذلية . لم يقف غلو اتباعه له عند حد اعتبار رؤيته عبادة بل كفروا الحافظ ابن حجر لأنه أنكر عليهم قال الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر: "اجتمعت به مرة في دعوة فأنكرت على أصحابه إيماءهم إلى جهته بالسجود، فتلا هو وهو في وسط السماع يدور (فأينما تولوا فثم وجه الله)، فنادى من كان حاضراً من الطلبة كفرت.. كفرت، فترك المجلس وخرج هو وأصحابه. (انظر: إنباء الغمر لابن حجر العسقلاني ص 2/256).

-[9]الطبقات الكبرى للشعراني 2/31.

-[10] الأنوار القدسية للشعراني 1/186.

-[11] الأنوار القدسية للشعراني 2/8.

-[12] المرجع السابق 1/194.

-[13] ديوان مجمع الغرائب لمحمد عثمان الميرغني 28-31.

 -[14]بستان المحبة- التَّسْلِيمَ لِلْعَارِف بِالله: الشيخ عيد أبو جرير، الطبعة الثالثة ص30.

 الطبقات الكبرى للشعراني 2/14.

 -[15] المكتوبات للسرهندي1/38.

 الطبقات الكبرى للشعراني 2/14.

-[16] جوهرة الدسوقي ص 96.

-[17] الأنوار القدسية للشعراني 1/120.

-[18] انظر المدرسة الشاذلية الحديثة وأمامها أبو الحسن الشاذلي: الدكتور عبد الحليم محمود ص 32.

-[19] الأنوار القدسية للشعراني 1/189.

-[20]  لطائف المنن ص 232.

-[21] بستان المحبة: الشيخ عيد أبو جرير، الطبعة الثالثة ص65.

-[22] بستان المحبة ص72.

-[23] الطريقة الرفاعية: عبد الرحمن دمشقية، الطيعة الأولى 1429ه/2008، مكتبة الرضوان ص 132-133.

-[24] الفيوضات الربانية: إسماعيل القادري ص 175-178.

-[25] المناظر الإلهية: عبد الكريم الجيلي ص 198.

-[26] نفحات الأنس: الجامي ص 9.

-[27] مراتب الوجود مخطوط بالظاهرية بدمشق رقم 5895 عام، نقلاً عن الإنسان الكامل: د. بدوي ص 115.

-[28] عوارف المعارف: السهروردي ص 246.

-[29] جواهر المعاني: علي حرازم 2/89-90.

-[30] الطبقات الكبرى: الشعراني ص 338– 339 .

-[31] الفكر الصوفي عند الجيلي: يوسف زيدان ص 102.

-[32] بستان المحبة: الشيخ عيد أبو جرير، الطبعة الثالثة ص8.

-[33] إيقاظ الهمم: ابن عجيبة ص19.

[34]- هو أحد أولياء الصوفية، زعمَ الشَّعرانيُّ أنَّهُ من أصحاب التَّصرفِ بقرى مصر، وذكرَ أنَّه كانَ ليلهُ كلَّه تارةً يقرأُ، وتارةً يضحكُ، وتارةً يُكَلِّمُ نفسُه إلى الصباح، وكان يتكلَّم بالكلامِ الذي يُستحَى منه عُرْفاً، وربَّمَا ادَّعَى على بعض المنكرين عليه دعاوَى باطلةً في ظاهرِ الشَّرعِ، ومع ذلك يَحكُمُ له القاضي بها، لأنَّه لا يستطيعُ مخالفتَه، قهراً عليه، تُوفِيَ سنةَ نيفٍ وتسعمائة. انظر الطبقات الكبرى للشعراني 2/184.

-[35] الطبقات الكبرى: الشعراني 2/184.

-[36] الأنوار القدسية: الشعراني 2/20.

-[37] الإبريز محمد بن المبارك السلجماسي ص 389.

-[38] المواد الغيثية في الحكم الغوثية: أحمد بن مصطفى بن عليوة، الطبعة الأولى، المطبعة العلاوية بمستغانم الجزائر 2/13-14.

-[39] انظر البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور: أحمد بن مصطفى العلاوي 1/25.

-[40] المصدر السابق  1/14-15.

-[41] الملل والنحل، ط دار الفكر-بيروت- 5/226.

-[42] مقالات الإسلاميين 1/439. 

-[43] طبقات الشعراني 2/16.

-[44] طبقات الشعراني 1/181.

-[45] التنزلات الموصلية لابن عربي ص 135.

-[46] الفتوحات المكية لابن عربي تحقيق: عثمان يحيى 11/142.

-[47] فصوص الحكم لابن عربي ص 204 باختصار.

[48]- هو: داود بن محمود بن محمد، شرف الدين القيصري الرومي- توفي 751ه‍-1350م-، وقد جمع بين التصوف الجاهلي والتشيع الإثنا عشري، وأحدُ مشايخ الصوفية الشَّارحين لكتب كبار زنادقة الصوفية، منها: فصوص الحكم لابن عربي، وتائيَّة ابن الفارض وشرح الخمرية لابن الفارض، وهذ الكتب مشحونة بالعقائد الوثنية كوحدة الوجود ووحدة الأديان، وإعطاء الولي صفات الله رب العالمين، وغير ذلك من شطحات الصوفية. انظر الأعلام 2/335، وهدية العارفين 1/361.

-[49] شرح فصوص الحكم للقيصري 1/127.

-[50] التَّصوُّفُ الإسلامي في عصر النَّابلسي لمحمد عبد القادر عطا ص 120، نقلاً عن العلوم ونصيحة علماء الرسوم: عبد الغني النابلسي.

-[51] جواهر المعاني لعلي حرازم 2/63، والمنح القدوسية للمستغانمي ص 51.

-[52] جواهر المعاني لعلي حرازم 2/65.

-[53] فصوص الحكم لابن عربي ص 44.

-[54] المرجع السابق ص42.

-[55]انظر لسان الميزان لابن حجر 5/30 طبقات السبكي 2/20، وطبقات السلمي217، والاعلام للزركلي6/272، وانظر درء تعارض العقل والنقل والصفدية1/248، له أيضا وكلا هما بتحقيق د. محمد رشاد سالم.

-[56] الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 4/170.

 -[57]كتاب الطبقات الكبرى للإمام عبد الوهاب الشعراني في ترجمة سيدي أبي المواهب الشاذلي 2/61، قوانين حكم الإشراق لأبي المواهب الشاذلي.

-[58] فصوص الحكم لابن عربي ص204.

-[59] شرح فصوص الحكم للقاشاني ص 204 باختصار.

-[60] فصوص الحكم: ابن عربي 1/134-135.

-[61] انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 4/171-172، 10/414، وبغية المرتاد له ص 387.

-[62] الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَارِفُ، الزَّاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ بِشْر الحَكِيْم التِّرْمِذِيّ. من أهل ترمذ، توفي عام 320ه، وَلَهُ حَكَم وَمَوَاعِظ وَجَلاَلَة، لَوْلاَ هَفْوَةً بَدَت مِنْهُ. قال أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ: أَخرَجُوا الحَكِيْم مِنْ تِرْمِذ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالكُفْر، وَذَلِكَ بِسبب تَصنيفه كِتَاب: ختم الولاَيَة، وَكِتَاب علل الشَّرِيْعَة وَقَالُوا: إِنَّهُ يَقُوْلُ: إِنَّ للأَوْلِيَاء خَاتماً كَالأَنْبِيَاء لَهُم خَاتم، وَإِنَّهُ يُفَضِّل الوِلاَيَة عَلَى النُّبُوَّة. فَقَدِمَ بَلْخ، فَقَبِلُوهُ لموَافقته لَهُم فِي المَذْهَب. ومن مؤلفاته: كتاب: "حقائق التفسير"، فيا ليته لَمْ يُؤلفه، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الإِشَارَات الحَلاَّجيَّة، وَالشَّطَحَات البِسْطَامِيَّة، وَتَصَوُّف الاَتحَادِيَّة فَواحُزْنَاهُ عَلَى غُرْبَة الإِسْلاَم وَالسُّنَّة، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الأنعام: 135. سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، دار الحديث- القاهرة- الطبعة: 1427هـ-2006م، 2/466-476. ونقل الحافظ ابن حجر عن القاضي كمال الدين بن العديم صاحب "تاريخ حلب" في جزء له سماه "الملحة في الرد على أبي طلحة" قال فيه: وهذا الحكيم الترمذي لم يكن من أهل الحديث، ولا رواية له، ولا علم له بطرقه وصناعته، وإنما كان فيه الكلام على إشارات الصوفية والطرائق، ودعوى الكشف عن الأمور الغامضة والحقائق، حتى خرج في ذلك عن قاعدة الفقهاء، واستحق الطعن عليه بذلك والإزراء، وطعن على أئمة الفقهاء والصوفية، وأخرجوه بذلك عن السيرة المرضية، وقالوا إنه أدخل في علم الشريعة ما فارق به الجماعة، وملأ كتبه الفظيعة بالأحاديث الموضوعة، وحشاها بالأخبار التي ليست بمروية ولا مسموعة، وعلل فيها جميع الأمور الشرعية التي لا يعقل معناها بعلل ما أضعفها وما أوهاها". (لسان الميزان: ابن حجر، دائرة المعرف النظامية –الهند- مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت – لبنان- الطبعة الثانية، 1390هـ/1971م، 5/309.

-[63] ختم الأولياء: محمد بن علي بن الحسن الترمذي، تحقيق شيخ عبد الوارث محمد علي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1420هـ- 1999م ص387-388‏‏‏.‏

-[64] المصدر السابق ص344-345‏‏‏.‏

-[65] المصدر السابق ص344-345‏‏‏.‏

-[66] الفتوحات المكية: ابن عربي 2/49.

-[67] عنقاء مغرب ص 15.

-[68] ديوان العصر الايوبي- قصيدة نوقف فإنَّ العلم ذاك الذي يجري-: لابن عربي. 

-[69] الطبقات الكبرى: الشعراني 1/188، وجامع كرامات الأولياء: يوسف بن إسماعيل النبهاني 1/120.

-[70] جامع كرامات الأولياء 1/218.

-[71] جامع الكرامات الأولياء 1/125.

-[72] جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم ص 132.

-[73] لطائف المنن ص 620.

[74]- الفكر الصوفي، ص404، 408.

[75]- رماح حزب الرحيم 2/183.

[76]- رماح حزب الرحيم 2/4.

[77]- رماح حزب الرحيم 2/145.

[78]- بغية المستفيد لشرح منية المريد  ص 193-194.

[79]- انظر بغية المستفيد لشرح منية المريد  ص224.

[80]- التاريخ الأوحد: محمد حسن وادى بن على بن خزام الصيادي ص 108، المعارف المحمدية في الوظائف الأحمدية: عز الدين أحمد بن صياد الرفاعي، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع ص 90، قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر: أحمد بن حسن الصيادي الرفاعي الحسيني، دار الكتب العلمية – بيروت- ص 432-446.

[81]- الفتاوى: لابن تيمية 6/125 بتصرف.

[82]- الطبقات الكبرى للشعراني 2/14، جامع كرامات الأولياء للنبهاني 1/314، أيضاً لطائف المنن للإسكندري ص 169.

[83]- فصوص الحكم ص 1.

[84]- الطبقات الكبري للشعراني لوافح الانوار في طبقات الاخيار: عبد الوهاب الشَّعْراني 1/158، جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية: أبو عبد الله شمس الدين بن محمد بن أشرف الأفغاني، دار الصميعي، الطبعة الأولى، 1416هـ-1996م 2/746.

[85]- الطبقات الكبري للشعراني لوافح الانوار في طبقات الاخيار: عبد الوهاب الشَّعْراني، 1/158.

[86]- الطبقات الكبرى - لوافح الأنوار في طبقات الأخيار-: عبد الوهاب بن أحمد بن علي الحَنَفي الشَّعْراني: مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر، 1315هـ، 1/158.

[87]- انظر: المقريزي, السلوك لمعرفة دول الملوك 5/207.

[88]- الطبقات الكبرى: الشعراني ص 1/161.

[89]- الطريقة الصوفية العلاوية - المبادئ العامة-: إعداد مصطفى بن محمد بن أحمد السعافين ص 15-16.

[90]- جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم: حمد ضياء الكمشخانلي ط الخانجي- مصر- ص 77، تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب ص 494، 519.

[91]- الفتوحات الإلهية ص 218.

[92]- قلادة الجواهر ص 278.

[93]- المدرسة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي: الدكتور عبد الحليم محمود، دار الكتب الحديثة، دار النصر للطباعة –القاهرة-  ص 85.

[94]- الكمشخانوي ص 116، النفحة العلية ص 228.

[95]- انظر لطائف المنن الاسكندري،  مطبعة حسان القاهرة، ص 168.

[96]- معاهد التحقيق في الردِّ على مُنكِرِ الطَّريقِ: محمود بن عفيف الدين الوفائي الشَّاذِلِي، مكتبة القاهرة،  198م.

[97]- جامع كرامات الأولياء: يوسف النبهاني 1/575-576.

[98]- الطبقات الكبرى للشعراني 2/14، جامع كرامات الأولياء للنبهاني 1/314، أيضاً لطائف المنن للإسكندري ص 169، تنوير الحلك: جلال الدين السيوطي ص 9.

[99]- انظر لطائف المنن للإسكندري ص 168.

[100]- الطبقات الكبرى للشعراني 2/14، جامع كرامات الأولياء للنبهاني 1/314، أيضاً لطائف المنن للإسكندري ص 169.

[101]- نفحات الأنس للجامي ص 572، وأيضاً جامع كرامات الأولياء للنبهاني 1/314، 2/14.

[102]- انظر كتاب المدرسة الحديثة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي: الدكتور عبد الحليم محمود، طبعة دار الكتب الحديثة القاهرة ص 34-35.

[103]- لطائف المنن للإسكندري ص 146، الطبقات الكبرى للشعراني 2/7، جامع كرامات الأولياء للنبهاني 2/176، النفحة العلية ص 229.

[104]- جامع الأصول في الأولياء ص 116، والنفحة العلية في أوراد الشاذلية، طبعة مكتبة المتنبي القاهرة. ص 228.

[105]-  درة الأسرار: ابن الصباغ ص 30.

[106]- كتاب الطبقات في خصوص الأولياء و الصالحين والعلماء والشعراء في السودان: محمد ضيف الله بن محمد الجعلي الفضلي، المكتبة الثقافية – بيروت- ص 107.

[107]- المواد الغيثية في الحكم الغوثية: أحمد بن مصطفى بن عليوة، الطبعة الأولى، المطبعة العلاوية بمستغانم الجزائر 2/13-14.

[108]- المواد الغيثية - ظهور التوحيد وإبطال التقييد- الفصل الرابع عشر: أحمد مصطفى العلاوي ص117.

[109]- من حكم سيدي أحمد بن مصطفى العلاوي رضي الله عنه

[110]- انظر ديوانه: بشراكمُ خلاني بالقرب والتداني.

[111]- بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب الباز الأشهب: الشيخ عبد القادر الكيلاني

 ص 193.

[112]- بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب الباز الأشهب: الشيخ عبد القادر الكيلاني ص 165-166.

[113]-رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم، طبعة دار الفكر 1421ه، 2/399.

[114]- المصدر السابق 2/413.

[115]- رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم 2/399، وبغية المستفيد ص 225.

[116]- المرجع السابق 2/413.

[117]- جواهر المعاني 1/107.

[118]- الدرة الخريدة 1/54.

[119]-جواهر المعاني، دار الكتب العلمية، 1417ه 1/98.

[120]-جواهر المعاني 1/121.

[121]- رماح حزب الرحيم 1/199.

[122]- الدرة الخريدة شرح الياقوتة الفريدة: محمد فتحا بن عبد الواحد السوسي النظيفي؛ خرج آياته وأحاديثه وشرح غريبه عبد اللطيف عبد الرحمن 1/47.

 
 

 

[123]- جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني: علي حرازم بن العربي براده المغربي الفاسي – الجزء الأول – الباب الرابع - الفصل الثاني: في فضل ورده وما أعدّ الله لِتَالِيهِ، وصفة المريد وحاله وما يقطعه عن أستاذه. دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان- الطبعة الثانية 1393هـ/1973م  ص97-98.

[124]- نقل ذلك  أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطلاني عن السخاوي في كتابه المواهب اللدنية 5/295.

[125]- فتح الباري: الحافظ ابن حجر العسقلاني 12/385.

[126]- قلادة الجواهر ص 141، الفجر المنير ص 8.